استمعنا وقرأنا كلمة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية - حفظه الله - التي ألقاها في افتتاح ندوة «السلفية منهج شرعي ومطلب وطني» التي أقيمت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وهي كلمة ضافية صافية صادقة تتضمّن أنّ هذه البلاد السعودية والحمد لله كانت وما زالت قائمة على منهج السلف الصالح حقيقة لا ادعاء، مما ضمن لها البقاء والاستمرار بحمد الله، رغم ما اعترضها من أزمات التطهير والتمحيص التي جرى مثلها على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة أحد والأحزاب وحنين كما هي سنّة الله في عباده، ليميِّز الخبيث من الطيِّب ويصمد المؤمنون وينخذل المنافقون، وقد بيّن - حفظه الله - أنّ السلفية الحقة هي المنهج الذي يستمد أحكامه من كتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي بذلك تخرج عن كل ما ألصق بها من تهم وتبتعد عن كل ما عليه أدعياء المنهج السلفي، لأنّ الذين يدعون السلفية اليوم كثير، ولكن الشأن فيمن يحقق هذا الادعاء بالصدق، وذلك بمعرفة حقيقة منهج السلف أولاً والسير عليها ثانياً. والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بيّنات أهلها أدعياء والله جلّ وعلا قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، فالسلف الصالح هم المهاجرون والأنصار ومن تبعهم بإحسان أي بإتقان في اتباعهم بأن يعرف منهجهم فلا يتهم على جهل، وأن يتمسّك به ويصبر عليه مهما اعترضه من المعوّقات والمخذلات، ويتبرّأ مما يحدثه الخلف من بدع ومحدثات في الاعتقاد والعبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي: تمسّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة)، فالسلفية الحقة بريئة من الغلو والتطرُّف وبريئة من التساهل والانحلال وعلى كل من الطرفين من يتبنّاه ويدعو إليه، هذا باسم التديُّن والتمسُّك، وهذا باسم التيسير والتسامح. وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ثم قال - حفظه الله -: فإنّ هذه الدولة المباركة قامت على المنهج السلفي منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود وتعاهده مع الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله -، ولا تزال إلى يومنا هذا وهي تعتز بذلك، أقول نعم: كانت هذه البلاد تعاني من التخلُّف والفقر والتفكُّك في دينها ودنياها وكانت على مذهب الخلف في العقيدة والعبادة والحكم لا كيان لها ولا أمن ولا استقرار، كان علماؤها في الغالب على منهج الخلف في القعيدة وتنتشر بينهم الخرافات والشركيات في العبادة وتجلّلهم الفوضى في الحكم، إلى أن منَّ الله عليها بدعوة التوحيد على يد الإمام المجدّد محمد بن عبدالوهاب وناصره وأيّده على ذلك الإمام محمد بن سعود، فقامت دولة مباركة على منهج الكتاب والسنّة، كما قال الأمير نايف - حفظه الله - ولا تزال على ذلك ولن تزال بحمد الله ما دامت متمسكة بما قامت عليه. ثم قال - حفظه الله -: وتدرك أنّ من يقدح في نهجها أو يثير الشبهات والتهم حوله فهو جاهل يستوجب بيان الحقيقة له.. وأقولك إنّ هذه الدولة المباركة منذ قامت وهي تواجه التهم وإثارة الشبهات حول منهجها، وليس ذلك بغريب، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم من شبهات وتهم اليهود والنصارى والمشركين الشيء الكثير مما ذكره الله في القرآن الكريم وردّ عليه ودحضه، ونفس الشيء واجهته هذه الدولة منذ قامت ولا يزال حول منهجها من الأعداء الحاسدين والمنافقين والمبتدعة والخرافيين، كما يشهد بذلك تاريخها وكتب علمائها من عهد الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى يومنا هذا، ولنقرأ كتاب: كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبدالوهاب وما جاء بعده من الكتب المؤلّفة في الرد على تلك الشُّبه والاتهامات. ثم قال - حفظه الله -: وما قيام هذه الجامعة باستضافة هذه الندوة إلاّ جزء من ذلك البيان وأيضا الحقائق تجاه هذا النهج القويم الذي حُمِّل زورا وبهتاناً ما لا يحتمل من كذب وأباطيل ومفاهيم مغلوطة كالتكفير والغلو والإرهاب وغيرها، وبشكل يجعل من الواجب علينا جميعاً الوقوف صفاً دون ذلك، وأن نواجه تلك الشبهات والأقاويل الباطلة بما يدحضها ويبيّن عدم حقيقتها -، وأقول: الحمد لله كل هذه الأباطيل والشبه قد دحضت في مؤلّفات كثيرة من علماء هذه الدعوة ومن إخوانهم من العلماء في سائر البلاد وهي مطبوعة ومتداولة، وأقترح على جامعة الإمام أن تعيد طباعتها وتوزعها كعمل متمم لمشروع هذه الندوة المباركة.. ولئن كان قد وقف في وجه هذه الدعوة من وقف وقد فشل - والحمد لله - فلقد وقف معها وأيّدها علماء ثقات من سائر الأقطار في الشام ومصر والهند وغيرها من البلاد، وقامت جماعات تدعو إلى التوحيد على منهج هذه الدعوة المباركة، مثل جماعة أهل الحديث في الهند وجماعة أنصار السنّة في مصر والسودان وغيرهما وجماعة أهل السنّة والتوحيد في اليمن، وباء كيد الكائدين لها بالفشل، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. ثم قال - حفظه الله -: إخواني الكرام إننا نؤكد لكم على أنّ هذه الدولة ستظل - بإذن الله - متبعة للمنهج السلفي القويم، ولن تحيد عنه، ولن تتنازل، فهو مصدر عزّها وتوفيقها ورفعتها، كما أنه مصدر لرقيها وتقدمها لكونه يجمع بين الأصالة والمعاصرة فهو منهج ديني شرعي، كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرُّقي والتقدم والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم. وأقول: هذا فيه وعد من سموه لأهل السنّة في هذه البلاد وفي غيرها من ثبات الدولة السعودية - وفّقها الله - على منهج السلف الصالح الذي قامت عليه، وفيه تيئيس لأعداء هذه الدولة الذين يحاولون زحزحتها عن منهجها القويم إلى المناهج المنحرفة التي تتبنّاها ممن يريد انتزاع الحكم من الحزبيين، ومن يريد اجتثاث السنّة وإحلال البدعة والتصوُّف والخرافات في هذه البلاد من الجماعات الصوفية والخرافية، ومن يريد زحزحتها عن الاعتدال إلى الغلو والتطرُّف من جماعة الجهال والمتشددين أو إلى التساهل والتميُّع من المرجئة والعلمانية والليبرالية، قال - حفظه الله -: لأنّ هذا المنهج الذي هي عليه هو مصدر عزّها وتوفيقها ورفعتها.. وأقول يشهد لذلك ما كانت عليه هذه البلاد قبل هذه الدولة المباركة من فوضى وضياع وفقر وتشتت وفاقه. وقوله - حفظه الله - عن هذا المنهج إنه يجمع بين الأصالة والمعاصرة.. أقول لأنّ هذا الدين صالح لكل زمان ومكان كما قال الإمام مالك رحمه الله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما أصلح أولها). قال - حفظه الله -: فهو منهج ديني شرعي كما أنه منهج دنيوي يدعو إلى الأخذ بأسباب الرُّقي والتقدم.. أقول: ومصداق ذلك في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، وفي قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، وقوله تعالى: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وقوله - حفظه الله -: (والدعوة إلى التعايش السلمي مع الآخرين واحترام حقوقهم)، أقول هذا ما تضمّنه قوله تعالى: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}، وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ}، وقوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. بارك الله في سموه وجعل ما قاله في ميزان حسناته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه أجمعين. * عضو هيئة كبار العلماء