الصورة لغة عالمية، والصورة تعتمد في ملامحها على الشكل وفي فهمها على الاستبصار كواحدة من أعلى المهارات وأرقى خبرة في مخرجات التربية والتعليم، كما انها وسيلة فعالة من وسائل الملاحظة والاختبار والفحص في مجالات كثيرة, وتعد الوسيلة الثالثة من وسائل التربية عموما بعد اللفظ والرمز أو الرقم، وحيث انها الوسيلة الاقل حظا بين الوسائل الثلاث في التربية والتعليم فقد أخذت وسيلتا اللفظ والرمز/ الرقم نصيبا وافراً في التربية منذ العصور الوسطى، لكن وسيلة الشكل بقيت مهضومة ومازالت كذلك في كثير من الانظمة التربوية المتخلفة. وقد أثبتت التجارب التربوية والنفسية والاجتماعية ضرورة توفر الوسائل الثلاث وتكاملها في المنهج التربوي لبناء شخصية المتعلم من جميع النواحي الأمر الذي تنبه إلى أهميته المخططون في الانظمة التربوية الحديثة، فوضعوا له أولوية عند رسم الخطط والاهداف. حول هذا الموضوع التقينا عدداً من الرموز في مجال الفن التشكيلي في المملكة والذين قدموا آراء هامة ومتخصصة. يقول عبدالرحمن هاجد ان توزيع بعض الجداريات من لوحات الفنانين السعوديين في مدارس المملكة سوف يزيد ويحسن ثقافة الطالب البصرية والفنية لان الطالب سوف يدرك الجمال في هذه اللوحات والجمال سوف يذهب بالطالب الى معاني هذه اللوحة وتحليل رموزها مما يؤثر على الطالب وثقافته الفنية فأنا أؤكد لو أن طالبا مر بشخص او معلم يشرح او جهاز تلفزيون فيه مادة علمية فمن الممكن ان يقف الطالب ليستمع ومن الممكن الا يقف,, لكن أجزم ان الطالب عندما يمر بلوحة جدارية جميلة فإنه سوف يقف وتبهره هذه اللوحة الجميلة وسوف تؤثر على افكاره وثقافته من خلال معانيها وفك رموزها. مادة التربية الفنية هل تكفي لتكوين الشخصية المتكاملة للطالب ومن رأي أكاديمي يوضح الدكتور الرصيص ان مادة التربية الفنية في طبيعتها مادة علمية حيوية متجددة ومشوقة لعموم الدارسين لها إذا قدمت بالطرق والوسائل التعليمية الجيدة, وهي تساعد الطالب/ الطالبة، على اكتشاف نفسه ذهنيا ومهاريا وفنيا، وصقل ما لديه من ميول وقدرات يمكن تنميتها وتوجيهها نحو الافضل مستقبلا, كما انها لا تساعد فقط في التعريف بأهمية الصورة، بل تعتمد على انتاج الصورة ذاتها من خلال الاعمال الفنية المعبرة للطالب، وما يصاحب ذلك من معلومات نظرية, وبالتالي فالتربية الفنية تساهم إلى حد كبير في الرقي بأهمية دور الصورة كوسيلة تربوية هامة في تكوين شخصية الطالب، ولكنها لا تكفي لوحدها, فهناك مثلا التربية الجمالية الشاملة ليست موجودة في مدارسنا، وهناك مواد أخرى كالعلوم والقراءة والرياضيات والجغرافيا والتاريخ، جميعها تلعب دورا هاما في توظيف الصورة ضمن نصوصها التعليمية، وأتمنى أن يكون هذا الدور أكثر أهمية وأكثر وضوحا وتأثيرا أثناء عملية تطوير المناهج الدراسية بصفة عامة. في حين يرى الخزيم ان التربية الفنية لا تُدرس بل تكتشف عند الاطفال ويتم توجيهها من خلال خطط وبرامج تربوية كبيرة ومازال للاسف مفهوم مادة التربية الفنية قاصرا ومازالت النظرة الى هذه المادة غير واعية خصوصا من خلال القائمين على التعليم وهي كمادة لها. كيف يمكن تنمية الثقافة الجمالية ومهارة حسن اختيار الأشياء يورد الدكتور الرصيص مثالا وهو: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع ذلك ان اختلاف الأذواق بين الناس من احد العوامل الهامة المؤدية إلى كثرة تنوع اختياراتهم لما يقتنونه من اشياء, ومن مسببات هذا العامل هو وجود تنوع في مستويات الخبرات المتراكمة لديهم حول عملية حسن الاختيار، وبالتالي تنوع في مستويات القدرات الفردية اللازمة لذلك، بالاضافة إلى مؤثرات مشاغل الحياة المتسارعة والعروض المتغيرة التي تنعكس بدورها على نفسيات الناس المتغيرة بطبيعتها. ويؤيد عثمان الخزيم هذا الاتجاه حيث يقول: بالتأكيد ان ثقافة المقتني للاعمال الفنية هي التي تحدد توجهه في انتقاء اعمال مهمة او اعمال لا تتعدى مفهوم اكسسوارات المنزل وكلما ازدادت ثقافة العين بصريا وتاريخيا انتعشت قيمة اللوحة الفنية الابداعية الحقيقية. وحول دور الأسرة في تربية الحس والتذوق للشكل والالوان التي حوله يقول الاستاذ عثمان الخريم: الأسرة هي الأساس في علاقة الطفل بالاشكال والألوان التي حوله فكلما كان البيت متوازنا في التصميم او الديكور كلما اضاف الى الطفل بعض الاحساس بالراحة كذلك عندما يتعود الطفل على استقراء ملامح من هم حوله في البيت لتكون ردود فعله مع الاشياء بشكل منطقي فانه بالتأكيد اكثر رقيا من طفل يعيش في بيت مليء بالصراخ,, ومن الضروري جدا ان يهتم الأب مع الأم في توصيل الكثير من المفاهيم من خلال تقاسيم الوجه فرحة الملامح,, او رفض الملامح,, دون الرجوع الى الصراخ او الضرب. يقول د, الرصيص: ويعتمد ذلك على مستوى الاسرة الثقافي والتربوي والاقتصادي معا ولكن اذا كان لدينا اسرة متوسطة الحال في هذه الامور الثلاثة فبامكانها المساهمة في تنمية القدرة على التعليم من خلال الاستبصال بشكل عام باجراء ما يلي: تحفيز الطفل على الرؤية بتأمل لما حوله من مكونات وعناصر بيئية المنزل، الشارع، المدرسة، الحديقة، السوق ومنح الفرصة له للحديث عنها من فترة لاخرى. توفير كتيبات القصص القصيرة الملونة وكتيبات الرسم والتلوين ومستلزماتها. توفير الوسائل التعليمية الحديثة التي تعتمد على معرفة الاشكال والألوان سواء كانت ثابتة او بمصاحبة الصوت والحركة. توفير سلسلة من الأفلام التعليمية والترفيهية القصيرة والحديث عنها من فترة لأخرى. توفير بعض الألعاب المسلية الجذابة ومشاركة الطفل في العاب اخرى تعتمد على الرؤية البصرية وتنمية القدرات الذهنية بصفة عامة. التعلم من خلال الاستبصار قدرة عالية ومتقدمة ويمكن للأسرة المساهمة في تنميتها عن طريق عرض الاعمال المفيدة من لوحات تحمل معاني تربوية هادفة ولنأخذ مثلا الرسوم الكاريكاتورية التي توضع مع غرف الاطفال مثلا شخصية كرتونية لطفل صغير يعبر الشارع خطوط المشاه او طفل صغير يساعد رجلا طاعنا في السن كل هذه الاشياء اذا وفرتها الاسرة للطفل فانها سوف تساعد على تنمية التعليم بالاستبصار. لا يكفي تدريس مادة التربية الفنية في دور هذه الوسيلة بل ان جميع مواد الابداع الاخرى له دور في ذلك.