يستبشر المسلمون بعد ساعات، بمقدم ضيف تتشوّق للقائه النفوس، وتترقب بشاشة مقدمه الأفئدة، فهو ضيف لا يكلّف مضيفه عناء، بل يعطيه هو العطاء الجزل، وينفع من حلّ بساحته بأجزل الهبات، وأنفس العطايا، لأنه ضيف كريم، يهب ولا يأخذ، وينفع ولا يضرّ، ويؤدب النفوس، ويعوّدها على خصال حميدة منها: الصبر والتحمّل، والبذل والكرم، وسماحة النفس، وطلاقة الوجه، وغير هذا من الخصال العديدة,, حيث يجب على الإنسان أن يستعدّ له، بالأعمال الطيّبة، والهمة والتسابق في الأعمال: القلبية والبدنية، قولاً باللسان: ذكراً لله وتلاوة لكتابه ومجاهدة لعدو الله الشيطان الذي أعان الله فيه بتصفيد المردة من الشياطين، وبذلاً يدوياً بالصدقة والزكاة وتفطير الصائمين، وفعالية بدنية للكسل: بكثرة الصلاة والقيام في لياليه، والصبر فيه على الجوع والعطش,. إنه شهر رمضان الكريم، الذي أزفت سويعاته على الإنقراض، وطلعته على الإشراقة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها,, ليتباروا فيه: جوداً وكرماً وعبادة وتعاطفاً فيما بينهم. لقد كان سلف هذه الأمة من محبتهم لرمضان لأنهم يعرفون مكانته، وما يسبغ الله فيه على عباده من العطاء الجزيل، وغفران الذنوب، كانوا يدعون الله ستة أشهر بأن يبلغهم رمضان، فإذا آذنت أيامه الأخيرة على التصرُّم إيذاناً برحيله يبدأون الدعوة مع الله ستة شهور أخرى بأن يتقبّل الله منهم رمضان,. هذا الشهر الكريم قد فرضه الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، وقال ابن حجر: إنه قد فرض في شهر شعبان,, وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين قبل وفاته,, وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، ويجب صوم هذا الشهر برؤية الهلال، وعلى المسلمين وجوباً ترائي الهلال ليلة الثلاثين، وإذا قام به بعضهم كفى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً),, وصيام شهر رمضان قد فرض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما فرض على الأمم قبلها، فقد روي ابن أبي حاتم بسنده إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم),. وقد اختلف العلماء في الصيام المكتوب على الأمم قبلنا، هل كان شهراً كاملاً، أم ثلاثة أيام من كل شهر، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه في ابتداء الاسلام يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ بصيام شهر رمضان بعدما نزلت آيات الصيام التي خاطب الله بها المؤمنين بقوله الكريم: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) الآية,. فجعل الله هذا الصيام تزكية للبدن، وتضييقاً لمسالك الشيطان، وهو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والوقاع، ويجب أن تكون بنيّة صادقة خالصة لله سبحانه لأن الصوم له جلّ وعلا، فهو يتولى جزاءه، فيضاعفه للصائم حيث جاء في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي). فالصيام علاقة وعمل مع الله جلّ وعلا، حيث تزكو به النفوس وتطهر من الأرجاس، وتنقّي الأبدان من الأدران والذنوب لأن من صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والخسارة كل الخسارة على من خرج هذا الشهر عليه، ولم يغفر له، حيث ضيّع الفرص فيه، التي لا تعوّض وأمهل لنفسه بالتسويف والتمنّي فأفلت نفسه من غايات لا تقدر بثمن، كما روي في حديث جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المصطفى كان يصعد درج المنبر، وكلّما رقى واحدة، قال: آمين,, قال ذلك ثلاث مرات، ولما سأله الصحابة عن ذلك قال: أتاني جبريل وقال يا محمد، رغم أنف امرىء ذكرت عنده فلم يُصل عليك، قل آمين فقلت: آمين ثم قال: رغم أنف من أدرك أبويه أو احدهما، فلم يدخلاه الجنّة قل آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف أمرىء أدركه شهر رمضان ولم يغفر له، قل آمين,, فقلت: آمين). ومعنى رغم أنفه,, أي ألصق أنفه بالتراب تحقيراً ومهانة للخسارة التي مُني بها، والربح الذي مرّ به وضيّعه, والأمم قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم: حرموا من الخير، وفرطت منهم الفرص، لأنهم لم يرعوا لهذا الشهر حرمته، ولم يؤدوا للصوم شرعيّته التي فرضت عليهم,, فعدّلوا وبدّلوا في شرع الله، كما تصف النفوس، وتهوى الأفئدة، وهذا من المعاندة لشرع الله الذي شرع لهم، ومن التكبر على الله,, حيث استحقوا غضبه ومقته,. والواجب على كل مسلم عندما يدركه شهر رمضان أن يرعى لهذا الشهر حرمته، وأن يستعدّ فيه لأداء ما افترض عليه قدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علم أمته: آداب هذا الشهر وحرمته,, بالصوم واجتناب الفحش، والغيبة والنميمة، مثلما يبتعد فيه عن الطعام والشراب والمواقعة,. والله جلّ وعلا لا يكلّف الاّ ويعين، ولذا سُمي شهر رمضان بشهر الصبر كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي, قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم نصف الصبر) قال العلماء في هذا: إن الصبر على ثلاثة أنواع، صبر على طاعة الله، وذلك بالحرص عليها امتثالاً واستجابة وأداءً, وصبر عن محارم الله، باجتناب كل ما نهى عنه، وتركه طاعة لله من طعام وشراب ومواقعة وغيبة ونميمة وقول الزور، وصبر على أقدار الله، تحملاً ورضاً بما قسمه الله وقدّره سبحانه مهما كانت مؤلمة، واحتساب أجرها عند الله بدون جزع أو تسخّط. وقد جزم الحسن البصريّ بل وأقسم على ذلك بأن المفروض على الأمم هو صيام شهر كامل وأيام معدودات، مثلما فرض على أمة محمد فوفق الله أمة محمد بالاستجابة والحرص على التطبيق، والتقيّد بشرعية هذا الشهر ولكن الأمم الأخرى حرمت هذا الخير بعنادها ومعصيتها لله سبحانه,, فقد حدّث عباد بن منصور عن الحسن البصري في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات) (البقرة 183), فقال الحسن: نعم والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت، كما كتب علينا شهراً كاملاً وأياماً معدودات عدداً معلوماً,, وروي عن السديّ نحوه. ولذا فإن كل مسلم عليه واجب العمل والتبصّر في هذه الشعيرة، وما أودع الله فيها من الحكم التي تعود على نفسه وعلى مجتمعه وعلى أمته بالمنافع العديدة، علاوة على ما وعد الله به الصائمين من الأجر الجزيل والمنازل العالية في الدار الآخرة أولها تخصيصهم بمنزلة ينفرد بها الصائمون في مشاهد يوم القيامة ولهم باب اسمه الريّان لا يدخل معه إلا أهل الصيام، فإذا تكامل عددهم أغلق، وحجب عنه غيرهم,, حيث ينادي عليهم في ذلك المشهد العظيم: اين الصائمون؟ ذلك أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، بإرواء الظمأ من الشراب الذي أبيح له عند غروب الشمس وبالطعام الذي حبس نفسه عنه بأمر الله وطاعة له جلَّ وعلا، فيفرح ليعطي نفسه ما أمر الله به: (وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتمّوا الصيام الى الليل) البقرة 187. والفرحة الثانية: عند لقاء ربّه، حيث يرى الجزاء العظيم، والمنزلة الرفيعة، لأن الله يقول: (الصوم لي وأنا أجزي به) وما ذلك إلا أن الصائم، في عبادته هذه يتعامل مع الله، ويراقبه في خلوته,, فلو شاء لأكل أو شرب ولن يراه أحد من الناس، ولكنها التقوى ومراقبة الله، فيترك شهواته ولذائذه من أجل الله وخوفاً من عقابه,, فهو في رقابة ذاتية، المتحكم فيها قوة الإيمان، والدافع إليها، الصدق مع الله، والإخلاص في العمل، باستجابة حسنة ويقين ثابت فكانت العبودية الحقيقية الكاملة لله، لا لغيره خالصة لا يخالطها رياء ولا سمعة,, وهذا من كمال الإيمان وحسن المراقبة لله سبحانه في السرّ والعلن,. والمسلم الذي يصدق في هذا الموقف لمعرفته بالسر فإنه يحرص على من تحت يده من أهل وولد وخدم بأن يؤدوا هذا الفرض على مكانته وأن يتأدبوا بما أمر الله ورسوله من الآداب المتعلقة بالصيام: امتثالاً وأداءً ليتغير برنامج البيت كله، بما يتناسب مع قدسية هذا الشهر، حيث يرونه جميعاً صغاراً وكباراً موسماً للطاعات، وليس بموسم للنوم، وفرصة للزيادة في الطاعات، لا تضييعه باللهو واللعب، وميداناً للتسابق في فعل الخيرات فتجود الأيدي بالعطاء ولا يبخل، ويتذكر حاجة الفقراء، فلا ينساهم بالطعام وتفطير الصائم، وباللباس ليكسو عاريهم، ويجبر ما انكسر فيهم بفقره ومسكنته,. وفرصة للتوسيع على أهله وعياله ونفسه ومن تحت يده بدون تبذير ولا بخل، لأن الله يحب القسط والمقسطين,, ولا يجعل رمضان موسماً للموائد بأنواع الملذات من طعام وشراب، فلا يؤكل ما يعدّ ولا يطعم للفقراء والمحتاجين، ولكن بقدر الحاجة، والحرص على إفطار الصائمين لأن من فطّر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً. وقد أدرك الأطباء حكماً صحية عديدة، حيث إن رمضان شهر جعله الله في السنة مرة واحدة تتهذب فيه النفوس براحة نفسية قوية ويطمئن القلب، وهذا أمكن شيء في العلاج الوجداني ثم بانتظام وجبات الطعام واختصارها الى مرتين بدل الثلاث يومياً، فيه راحة للجهاز الهضمي وللدورة الدموية، وتخفيف من السمنة، وعلاج من كثير من الأمراض الباطنية حيث ينتظم الغذاء، وتخفّ الدهنيات وغيرها, ويتخلّص من كان يتعاطى أموراً ضارّة من آثارها: كالدخان والمشروبات الاخرى الضارة، وكل السموم التي حرمها الله التي يدخلها صاحب الجسم في جوفه: ادماناً أو ابتلاءً أو تقليداً، ليكون في الصوم رادع يزجر، ووازع يدافع النفوس عن الاستجابة والانقياد للشهوات لأن الصيام قد صفّى الروح، وتهذّبت معه الطباع، وتحسنت الأخلاق، فكان مسيطراً على جملة الغرائز والشهوات التي جبل عليها الإنسان,. فكان من حكمة الصيام: أن نفوس الصائمين تنصهر في طباع عديدة هي من السمو الخلقي، والالتزام بمكارم الأخلاق التي يحبها الله، لتكون عادة عند الإنسان في هذا الشهر فيحبها، ويتعود عليها بعده، وبذلك يتكون المجتمع المثالي الذي يرتدع فيه كل فرد عن أكل الحرام، ويحميه من الغيبة والنميمة وقول الزور، والكذب والخيانة فالبصر يكفّ عن محارم الله، والأذن تزورّ عن سماع ما لا يباح، واللسان يحفظ صاحبه من الفحش والبذاءة والسباب والشتائم، ( فإن سابّه أحد فليقل إنى امرؤ صائم) وقد روى البخاري في صحيحه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأتين اللّتين صامتا عما أحلّ الله، وأفطرتا على ما حرّم الله ,, فقد جلستا تأكلان لحوم الناس حتى كادتا تموتان عطشاً وجوعاً، فدعا صلى الله عليه وسلم بإناء فقاءتا فيه لحماً ودماً عبيطاً. ولا يجب ألا يفعل الانسان عن حكمة التعاطف الاجتماعي التي تبرز اكثر في شهر رمضان، حيث ترقّ القلوب، وتلين العواطف بين الناس، فتلين الأيدي بالعطاء، وتُرخص النفوس المال في سبيل البذل، لأن الأجر في هذا الشهر يضاعف، بإفطار الصائم، واطعام الجائع، والتصدق على المحتاجين، ومواساة الفقراء حيث يبرز في هذا الشهر أثر التعاطف بين المسلمين، واهتمام بعضهم ببعض، لأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر,, وهذا ما يميز المسلمين عن غيرهم، ببروز العطف والشفقة فيما بينهم في هذا الشهر الذي يتسابقون فيه بالعطاء، فيفرح به الفقراء كموسم يزيل عنهم العوز والفاقة، ويترقبه كل من في قلبه إحن وشحناء مع أخيه لأن النفوس تتصافى، والأحقاد يذوب جليدها، بما جعله الله في هذا الشهر من أول يوم يبدأ: تصفّد مردة الجنّ، وتغلق أبواب جهنم وتفتح أبواب الجنة، ولله داعٍ ينادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار في كل يوم من أيام هذا الشهر,, ويضيّق الصيام المجرى على الشيطان في جسم الإنسان، ليكون ضعيفاً هزيلاً مما يجعل صاحب الجسم قوياً على طاعة الله. ونصيحتي لنفسي ولكل أخ مسلم، أن يضع نصب عينيه مكانة رمضان وأهمية العمل فيه، ليضع لنفسه برنامجاً ثابتاً، لا يضيّع فيه فرصة، ولا تفوته مناسبة بقراءة القرآن، وبإحياء ليله بالصلاة والعبادة والذكر، وبالمسابقة الى الخيرات، وبصيانة نفسه عن الخلل وما ينقص قدر الثواب في هذا الشهر، أو يبطل العمل,, مع حفظ اللسان عن اللغو والفحش، والبعد عن النظر إلى ما حرم الله والأذى عن سماع ما لا خير فيه، لأن الله يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (الإسراء 36). والإكثار في هذا الشهر من الطاعات وذكر الله، لأنها فرصة لا تعوض، فقد لا يدرك الإنسان رمضان الآخر، وإن من الأمانة الاهتمام بمن تحت يد الإنسان من أهل وولد وحاشية، حتى ينشأوا على ما عودهم عليه من معرفة لمكانة رمضان، واهتبال لفرصه السانحة,, من عبادة وحب للخير كما قال الشاعر: وينشأ ناشىء الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه فكن يا أخي المسلم، خير موجه لأبنائك، مغتنماً شهر رمضان، شهر الخير والبركات، لتغرس في قلوبهم المكانة التي أحلّها الله لهذا الشهر، وتعريفهم بما وراء ذلك من خير ونفع عاجل وآجل، وتقريب ذلك أمام أفئدتهم بما هو محسوس في الذهن، أو ملموس من ماديات المجتمع لتبقى جذور حب العمل الطيب راسخة في قلوبهم، وتكبر مع نمو أجسامهم، عملاً ثابتاً، وشعوراً مستوطناً في رمضان وما بعد رمضان، لأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر. من المعجزات: ذكر ابن كثير في تاريخه، نقلا عن شيخه البيهقي في كتابه الدلائل أي دلائل النبوة من طريق عيسى بن يونس عن عبدالله بن عوف عن أنس بن مالك قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثاً، لو كانت في بني اسرائيل لما تقاسمتها الأمم, قلنا: ما هنّ يا أباحمزة؟, قال: كنا في الصفّة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة للنساء، وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياماً ثم قبض فغمّضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسّله، قال: (يا أنس إئت أمه فأعلمها) فأعلمتها قال: فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما ثم قالت: اللهم إني اسلمت لك طوعاً، وخلعت الأوثان زهداً، وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحمّلني من هذه المصيبة ما لا أطيق حمله منها، قال: فوالله ما انقضى كلامها، حتى حرّك قدميه، وألقى الثوب عن وجهه, وعاش حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى هلكت أمه. قال أنس: ثم جهّز عمر بن الخطاب جيشاً واستعمل عليه العلاء بن الحضرميّ، قال أنس: وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا، فوجدنا القوم قد نذروا بنا، فعفّوا آثار الماء والحرّ شديد، فجهدنا العطش ودوابنا كذلك، وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها، صلى بنا ركعتين، ثم مدّ يديه إلى السماء، وما نرى في السماء شيئاً، قال: فوالله ما حطّ يديه حتى بعث الله ريحاً، وأنشأ سحاباً، وأفرغت ماءها، حتى ملأت الغُدُر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا,, ثم أتينا عدوّنا، وقد جاوز خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله, قال: فأجزنا ما يبلّ الماء حوافر خيلنا فلم نلبث الاّ يسيراً فأصبنا العدوّ غيلة، فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيراً ثم ذكر موت العلاء، ودفنهم إياه في أرض لا تقبل الموتى، ثم إنهم حفروا عنه، لينقلوه منها إلى غيرها، فلم يجدوه ثمّ، وإذا الحلد يتلألأ نوراً فأعادوا التراب عليه ثم ارتحلوا، فهذا السياق أتم، وفيه قصة المرأة التي أحيا الله لها ولدها بدعائها، وسننبّه على ذلك فيما يتعلّق بمعجزات المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، مع ما يشابهها إن شاء الله تعالى. كما سنشير إلى قصة العلاء هذه مع ما سنورده معها ههنا فميا يتعلق بمعجزات موسى عليه السلام، في قصة فلق البحر لبني اسرائيل وقد أرشدنا إلى ذلك شيخنا في عيون كلامه (البداية النهاية 9: 312 314).