إن معركة الفضاء التي اندلعت بين قطبي الحرب الباردة في أواسط هذا القرن أحدثت دفعة كبيرة في مجال علوم الاتصال وخاصةً في الولاياتالمتحدة، كما أن صراع الأيديولوجيتين الشرقية والغربية وتنافسهما في مساحات شاسعة من العالم أو ما يسمى ب «صراع المصالح واقتسام مناطق النفوذ»، أحدثا نشاطاً هائلاً في مجال الإعلام من أجل السيطرة على ثقافات الشعوب، وحتى يدور أي منها في فلك أحد المحورين، وقد خدم هذا السباق المحموم تقنية الاتصالات وأحدث تغييراً في فلسفة الإعلام من حيث السيطرة على مضامينه وتوجيهها وفق المقاصد والنوايا المطلوبة: لتحقق الأهداف والغايات المبتغاة، ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي أحد قطبي الحرب الباردة وبالتالي ضعف إعلامه وصوته يبرران لنا قوة الإعلام الغربي لاسيما الأمريكي وسيادته على الساحة الإعلامية، خاصةً بعد الأحداث الأخيرة وقد بدأت المعلومات والمواد الإعلامية تتدفق مثل الشلال في اتجاه واحد عبر وكالات الأنباء العالمية ذات الإمكانات الضخمة وعبر المؤسسات الإعلاميةوشركات التلفزيون الكبرى التي تستخدم تقنيات متقدمة في اتصالاتها، وكذلك عبر الأقمار الصناعية وشبكات الاتصال الإلكترونية وغيرها، حتى أصبح هذا المجال من أكثر المجالات تقدماً وتطوراً، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أخذت هيمنة الإعلام الغربي تتشدد على الشارع في مختلف دول العالم وفي المجتمعات العربية على وجه الخصوص وإذا سألنا أي مواطن عربي عشوائياً عن أقوى الإذاعات أو أية إذاعة يفضل الاستماع إليها لرتبها على الفور كما يلي: هيئة الإذاعة البريطانية صوت أمريكا مونت كارلو الإذاعة الكندية، أما إذا سئل عن الشركات التليفزيونية فستنحصر إجابته في الشركات الأمريكية وفي مقدمتها «CNN»، وبالطبع فإن المستمع أو المشاهد العربي يبرر سر اهتمامه بالإذاعات العالمية بأنها أكثر مصداقية وهي دائماً في قلب مواقع الأحداث بمراسليها وعدساتها وأجهزة اتصالاتها، وبثها للأنباء بصورةٍ فورية وسريعة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر والتفجيرات الأخيرة في أمريكا أوضح مثالٍ على ذلك: إن هذا التدفق ذا الاتجاه الواحد يشكل خطورة كبيرة على هويتنا وقيمنا إذ من المعلوم يقيناً أن أطباق الاتصال التي انتشرت في مجتمعاتنا اليوم وفي قطاع واسع على اختلاف الشرائح والطبقات أشغلت المواطن العربي وصرفته عن فكر أمته وثقافتها وربطته بالواقع الغربي ومنحرفاته مما سيحول كل بيتٍ إلى مصب للمد الاتصالي، وبالتالي تتحقق العالمية الفكرية بكل مخاطرها، وتنتهك القيم المحلية وينتهي دور الرقابة البناءة إن واقع إعلامنا العربي الحالي يكشف لنا أننا مازلنا أسرى لتقنيات الاتصال الغربي وأن حالة الانبهار شلت قدرتنا على الفعل والإبداع!، ومن هذا المنطلق نصوّت ونسأل المواطن العربي: مصداقية الإعلام العربي ما مداها؟؟ ما مدى ثقة المواطن في إعلامه وفي الإعلام الخارجي؟؟ وهل يعامل الإعلام العربي مواطنه كفرد له قيمه ومواقفه وتطلعاته مع الالتزام بإبراز صورته في الخارج؟، والإجابة تجعلنا نحكم على إعلامنا العربي ونصنفه!