سؤال مصيري وحاسم يواجه كثيراً من شبابنا السعودي المتخرج حديثاً من الجامعات أو من المعاهد الفنية المختلفة. من أين نبدأ؟.. سؤال يتردد صداه في ذهن وفكر كل شاب مقبل على ممارسة الحياة العملية. وبطبيعة الحال فإن العمل في الجهاز الحكومي يظل أول وأسهل الخيارات المطروحة أمام الشباب بالرغم من ضآلة الفرص التي تقدمها الوظيفة الحكومية للشباب. ونظراً لازدياد أعداد الخريجين من الشباب السعودي عاماً بعد عام يظل من غير المقبول ولا من المعقول تحميل الحكومة وحدها مسؤولية توظيف هذه الاعداد الكبيرة من الشباب الراغب في العمل. ويكفي الدولة شرفاً أنها عملت مشكورة في خططها العديدة على الاهتمام ببناء الانسان السعودي وذلك عن طريق تعليمه وتدريبه في أرقى الجامعات والمعاهد الفنية المختلفة سواء في داخل أو خارج المملكة. وتشير الخطة الخمسية السابعة إلى أنه سينزل إلى سوق العمل آلاف الوظائف الجديدة التي تركز على الجانب المهني بحيث تتيح هذه الوظائف فرصاً كبيرة لمزيد من الشباب لدخول سوق العمل في المستقبل.. ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بتسليح الشباب وامدادهم بالمهارات الفنية والتدريب العملي الملائم. والدولة حينما عملت هذه الخطط ركزت على ارساء البنية التحتية اللازمة من الجامعات والمعاهد المختلفة من أجل أن تعمل على تزويد الشباب بسلاح العلم الذي يساعدهم على ممارسة حياتهم بالشكل المطلوب.. وهذا بالتالي يعني أن الدولة لم تقصر في اعداد الشباب وتدريبهم وتعليمهم ولا يُلزم الدولة بالتالي بتعيين كل خريج جديد حيث إن الامكانات محدودة والأولويات واضحة. إذاً فما الحل إذا لم يجد الشاب عملاً في الحكومة؟ هل يقف مكتوف اليدين في انتظار الوظيفة التي قد تأتي أو لا تأتي؟ أم يبادر الشاب إلى البحث بنفسه عن فرصة للعمل بعيداً عن أسر الوظيفة وقيودها؟! ولا جدال أن الخيار الثاني هو الحل الصحيح والاتجاه الصحيح أيضاً الذي يجب أن يسلكه كل شاب طموح يبحث عن ايجاد مكان له تحت الشمس. والواقع يقول إن الأعمال الحرة هي المجال الحقيقي لتحقيق طموحات الشباب في صنع مستقبل مشرق بإذن الله، حيث لا تقارن الامتيازات والفرص التي تتيحها ممارسة الاعمال الحرة بالعمل الوظيفي الحكومي. يقول الله سبحانه وتعالى :(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..) الآية (التوبة:105)، هذه الآية الكريمة برهان صادق على الأهمية الكبرى التي يمثلها العمل في الاسلام، ولذلك جاءت النصوص الكريمة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة للرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام للإعلاء من قيمة العمل، سواء أكان ذلك في مجال العبادات أو في المعاملات. وهذا هو السبب في ازدهار الحضارة الاسلامية وبلوغها شأناً عظيماً، وقد جاءت حضارة جامعة بين الفكر والعمل.. وليس من شك أن العمل هو وسيلة كل تقدم حضاري ومادي أو معنوي.. ويعتبر العمل كذلك مقياساً للتفاضل بين الناس، وعلى أساس منه ينال كل واحد جزاءه، يقول الله سبحانه وتعالى:(هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) الآية (النمل: 90). واذا طالعنا السيرة العطرة للانبياء والرسل عليهم السلام، لوجدنا أن حياتهم كانت عامرة بالأعمال المفيدة والجهاد في سبيل الله وهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين نجد أن حياته كانت زاخرة بالعمل في رعي الأغنام في شبابه، واشتغاله بالتجارة، والجهاد في سبيل الله بقية عمره. ويعلق الأستاذ/ أحمد محمد جمال رحمه الله على هذا الحديث في مقال له في جريدة المدينةالمنورة نشر بتاريخ 18/7/1411ه فيقول :«إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن عمل اليد يفضي بسر من أسرار الحياة، وهو أن لذة الحياة في العمل الذي يلازم صاحبه الكلال، وقيمة الحياة تكمن في الحلال الذي لا تطيب إلا به، فالحلال من الطيبات، والطيبات من قيم الحياة وفضائلها، إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمل اليد يجب أن يفهم كقانون للعمل، ونداء للتصنيع، ودستور للحضارة، أليست الحضارة تعتمد على الأيدي، ومهما تطورت تقنية العمل واعتمدت على الآلات فالأيدي لا استغناء عنها، وإن كانت الآلات تستعمل بالأزرار فلا بد لها لكي تعمل وتتحرك وتنتج من أيد، أليست الأيدي هي التي تضغط على الأزرار لتعمل الآلات أو ليس بدون تحريك الأيدي لها تكون أعضاء شلاء. نمثل لضرورية الأيدي وعدم الاستغناء عنها (بالعقل الإلكتروني) فهو انتاج بشري وهو في نظرهم عقل جبار، ولكي يستعمل ويستخدم لابد له من عقل الإنسان، فذاك في احتياج لهذا، وذاك فرع (أي العقل الإلكتروني)، وهذا عقل أي إنسان. وقد سبق في الحديث الأول التوجيه النبوي عن الأنبياء العاملين، أصحاب الحرف والصناعات، أصحاب الحركة والعمل كقدوة للناس، فآدم كان حراثاً، ونوح كان نجاراً، وإدريس كان خياطاً، وموسى كان راعياً ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين اشتغل بالرعي في شبابه ثم بالتجارة». وإذا جئنا للحديث عن الصحابة رضوان الله عليهم فسنجدهم قد ساروا على النهج الذي اختطه قدوتهم وحبيبهم رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام. فهذا أبو بكر الصديق صاحب رسول الله وأول خليفة للمسلمين يعمل في تجارة الأقمشة. وعمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين يعمل في الدلالة. روي عنه رضي الله عنه قوله :«يعجبني الرجل، فأسأل عنه، فإن قيل لي : لا عمل له، سقط من عيني»، وفي حديث آخر يوصي القرشيين بقوله لهم :«تعلموا المهنة فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنته». أما عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين فقد كان يعمل تاجراً، وعلي بن أبي طالب الخليفة الرابع كان عاملاً، وكان يقول مفتخراً: لحملي الصخر من قمم الجبال أحب إليّ من منن الرجال يقول الناس لي في الكسب عار فقلت العار في ذل السؤال والصحابي عبدالرحمن بن عوف كان تاجراً، وقد رفض عرض أحد الأنصار ليشاطره ماله وقال :«دلوني على السوق» فنزل وعمل في التجارة حتى أصبح من أغنياء قومه، والصحابي الزبير بن العوام كان يعمل خياطاً وسعد بن أبي وقاص كان يعمل صانعاً للنبال وعمرو بن العاص كان يعمل جزاراً وابن مسعود والحسن وأبو هريرة كانوا يعملون في الزراعة. وقد أكدت دراسة علمية نشرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقام بها رئيس مركز الكفاءات بجامعة كاليفورنيا أثبت فيها ما يلي: «أن كل الذين نجحوا في أعمالهم قد اختاروا المهنة التي أحبوها ولم يختاروا المهنة التي تدر أكبر قد من المال.. وثبت من الدراسة أن أنجح الناس هم الذين اهتموا بتنفيذ أعمالهم على أفضل وجه ممكن». وإن اختيار المهنة له أهمية للفرد والمجتمع ومن المهم ألا يتم بشكل عشوائي أو بدون تخطيط فالاختيار الرشيد أن يكون الإنسان سعيداً في عمله منتجاً في عطائه. والأساس الصحيح لاختيار المهنة يتمثل في عدة عوامل من أهمها: 1 معرفة القدرات الفردية بشكل جيد. 2 الاستعداد للتعلُّم واختيار التدريب المناسب. 3 رفع معدل المهارات الشخصية. 4 عدم الاستخفاف بالقدرات. 5 الاستعداد والمبادرة للمغامرة المدروسة. 6 طلب النتيجة من غير جشع ولا مبالغة في تحقيق الكمال. 7 محاولة اغتنام أي فرصة قد تتوفر في الطريق، ومن أشياء بسيطة في الحياة قد لا تثير الانتباه في البداية ولكنها بشيء من المهارة قد ترفعك إلى الأعلى، فمثلاً قد يكون لدى عائلتك مؤسسة تجارية متواضعة.. حاول أن تعيد بناء هذه المؤسسة وتقوم بتطويرها على أسس تجارية حديثة.. نجاح هذه المؤسسة سوف يكون نجاحاً لك ولعائلتك. 8 الميل الطبيعي من الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار حين يقرر الشاب اختيار العمل أو المهنة التي يريد مزاولتها، ذلك أن الشاب يقضي شطراً كبيراً من وقته وعمره في هذه المهنة.. لذا سوف يكون مهماً البحث عن العمل الذي يتفق مع رغبة الشاب وهو ما سيكون عاملاً حاسماً في التقدم والنجاح فضلاً على أنه ينأى بالشباب عن المضايقات والازعاج الذي قد يحدثها ممارسة عمل لا يحبه ولا يهواه. 9 عدم تجاهل الحقائق والقدرات والاستعداد الشخصي، فقد ينبهر بعض الشباب بالشهرة والمال التي يحققها نجوم الرياضة والفن فيقرر أن يكون منهم وهو لا يدرك أن التفوق والنجاح في هذه المجالات يعتمد بالدرجة الأولى على توفر الموهبة. 10 التفرغ والتركيز على عمل واحد خاصة في بداية دخول الشباب لمعترك العمل، وهي نقطة أساسية للنجاح، ذلك أن الاشتغال في وقت واحد في أكثر من عمل يعتبر تشتيتاً للجهود والقدرات التي يجب تركيزها وتوجيهها نحو عمل واحد حتى يستقيم وينجح بمشيئة الله. 11 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«روحوا القلوب فإن القلوب إذا كلت عميت» لذا من المهم أن لا تدع العمل يسرق أجمل أيام عمرك دون أن تشعر، وعليك إدراك أن الترويح عن النفس يجدد حياتك ويجعلك تقبل على ممارسة عملك بنفس قوية واثقة. 12 أخيراً لا تنس أن كثيراً من الأعمال والمنجزات البشرية الرائدة بدأت كفكرة وحلم صغير متواضع في ذهن إنسان واحد أو مجموعة من الأفراد أخذت على نفسها التعاون فيما بينها لإنشاء وتأسيس عمل ما ثم يكبر هذا العمل ويتطور مع مرور الوقت حتى يصبح مشروعاً ناجحاً. وحياة المشاهير من أعلام الفكر والأدب والاقتصاد.. إلخ، حياة زاخرة بالقصص والأحداث المثيرة والتي تتحدث عن نقطة البداية والانطلاقة التي أوصلتهم إلى النجاح، وهي في معظمها كانت بدايات صغيرة وشديدة التواضع، ولكنها مع الإرادة والكفاح تحولت إلى قصص من النجاح والعصامية الفريدة. وإليك جملة من بعض آرائهم تجاه فضيلة العمل: يقول برناردشو :«يلوم الناس ظروفهم دائماً فيما أصابهم، ولكني لا أؤمن بالظروف، فالناجحون هم أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها.. فإذا لم يجدوها صنعوها». ويقول لوتسي :«ابدأ بالضروري ثم انتقل إلى الممكن، تجد نفسك فجأة تفعل المستحيل». أما نيتشه فيقول :«ليس هناك من عمل فاشل، ولكن هناك إنسان فاشل. والفاشلون نوعان : قسم فكر ولم يفعل، وقسم فعل ولم يفكر». يقول أحد الحكماء :«بين الخوف والجرأة أن تخطو الخطوة الأولى». ويقول العقاد :«لا تشعر لحظة واحدة أنك تافه.. فقط وأنت مبتدئ.. لا تشعر لحظة واحدة أنك حقير.. أنت صغير.. وأنت لست صغيراً.. أنت قصير العمر.. قصير اليد.. قصير النظر.. ولكن عظيم وجبار بعقلك وطموحك». ويقول مصطفى أمين :«أيها الشاب! لا تجلس القرفصاء في انتظار تعيينك في وظيفة حكومية! لا مستقبل للقاعدين. المستقبل للواقفين على أقدامهم يتوثبون للانطلاق! انتهز فرصة الانتظار لتتعلم الكمبيوتر. ادرس لغة أجنبية، فاللغة الأجنبية هي جواز سفر لتخرج إلى العالم الواسع تبحث عن وظيفة تناسبك. اقرأ الصحف لتعرف أخبار بلدك. الشاب الذي لا يعرف ما يجري في بلده يعيش تائهاً جاهلاً يعيش على الهامش ولا يحسب له أي حساب. أي لغة أجنبية سوف تفيدك. وسوف تفتح أمامك آفاقاً جديدة. وحذار أن تسافر إلى الخارج وأنت لا تعرف لغة أجنبية. ستضيع في هذا البلد الغريب وسوف تتوه في الزحام وسوف تشعر دائماً بأنك في حاجة إلى ترجمان! تخطئ إذا جلست عشر سنوات تنتظر تعيينك في الحكومة. في هذه السنوات العشر تستطيع أن تتعلم صناعة وسوف تصبح عاملاً مدرباً ، والعالم يبحث عن العمال المدربين». وأخيراًَ: يقول المخترع الشهير/ أديسون :«إذا أردت أن تنجح في حياتك فاجعل المواظبة صديقك الحميم، والتجربة مستشارك الحكيم، والحذر أخاك الأكبر،والرجاء عبقريتك الحاسمة». ولذلك يتجه العالم اليوم بشكل متسارع بمختلف دوله وشعوبه إلى الاعتماد بشكل مطلق على مساهمات القطاع الخاص الذي يعتمد بدوره على اقامة المشروعات الصغيرة والتي تعتبر العمود الفقري لأي اقتصاد حر من حيث أخذ زمام المبادرة الفردية والبحث عن تحقيق الأرباح وذلك باستثمار الأفكار الجديدة المبدعة في جميع المشاريع التجارية والصناعية أو قطاع الخدمات.. الخ. وحينما تهتم الدولة بهذا الجانب فإنما يعود ذلك بلا شك إلى إدراك المسؤولين إلى أن هذه المشروعات الصغيرة هي النواة والأساس للانطلاق للمشروعات الكبيرة وهي أيضاً وهذا عامل هام جداً المجال والمكان المناسب الذي يتاح فيه اكتشاف القدرات الانسانية المبدعة في مختلف التخصصات، فالأصل في السعادة بالعمل هو أن تختار عملاً تحبه.. سُئل أديسون العالم الذي قدم أكثر من سبعين اختراعاً من بينها الكهرباء، وكان يعمل 16 ساعة يومياً لمدة 30 سنة.. كيف صبر على هذا العمل..؟ (فقال : إنني لم أعمل يوماً واحداً في حياتي وإنما كنت ألهو). لذلك فمن المهم أن نبحث عن العمل الذي يوافق مواهبنا وميولنا لأننا بذلك سنحب عملنا وبالتالي سوف ننجح في حياتنا.