لم يزل شهر رمضان منذ فجر الإسلام يشهد انتصارات المسلمين وكان عليه الصلاة والسلام إذا جاء الشهر يقول لأصحابه «لقد جاءكم شهر مبارك كتب عليكم صيامه...» الحديث. وكلما هلت بشائر رمضان يعود إلى الذهن بعض القصص والعادات والحكايات المرتبطة بهذا الشهر.. في هذا الاستطلاع نشاهد بعض المظاهر الشعبية لشهر الصيام في بعض البلدان العربية قديماً. فمثلاً المصريون يقولون في مأثورهم الشعبي «رمضان عشر أكلات وعشر خَلَقَات وعشر حلقات» والمقصود بالخلقات جمع خلقة وتعني الثوب بالعامية بين أهالي صعيد مصر. وفي مدة مضت جرت العادة أن يولي الناس في العشر الأولى من هذا الشهر جل اهتمامهم لإعداد أنواع المأكولات الخاصة. وعادة كانت لرمضان مقدمات تبشر بمقدمه.. فكانت الأسواق تمتلئ بشتى أنواع المأكولات والخضراوات واللحوم. أما في آخر يوم من شعبان فكانت تنظم المواكب الاحتفالية المعروفة بمواكب الرؤية. وكان مما اشتهر في هذا الشهر بعض المأكولات مثل الحلوى من «الكنافة» و«القطايف» فهما من الأكلات المميزة التي ارتبطت بهذا الشهر الفضيل حتى ينتشر بناء الأفران الخاصة بصناعة هذه الحلويات. حيث عرف المسلمون الكنافة و«القطايف» من زمن طويل ويقال إن طهاة حلب كانوا قدموها سحوراً للخليفة سليمان بن عبدالملك وكان ذلك في أوائل المائة الثانية من الهجرة. وكان الخلفاء الفاطميون يهتمون بشهر رمضان اهتماماً كبيراً حتى أنهم أنشأوا ما يسمى ب«دار الفطرة» التي كان من مهامها في الأيام الأولى من الشهر أن تقدم للشعب الهدايا من الفطائر والسكر والحلوى. وكان من عاداتهم أن يرسل الخليفة إلى كل أمير من الأمراء في أول شهر رمضان طبقاً من الحلوى، وفي وسطه صرة من ذهب. ومن العادات الشعبية أيضاً لدى المصريين في شهر رمضان ان الاطفال كانوا يلعبون ليلاً بعد الافطار وحتى وقت السحور دون خوف وذلك ليقينهم بأن العفاريت مقيدة طوال شهر الصيام. وكانوا ما إن يقترب موعد الافطار حتى يعبئ كل واحد منهم صحنه ويلحق بأقرانه ليجلسوا على عتبات البيوت وأثناء ذلك يرددون الأغنيات ليسروا عن أنفسهم حتى يحين موعد الافطار. وبما أن شهر رمضان هو شهر الرحمة والتعاطف نجد الرحمة والتعاطف تنتشر بين الناس فهذه فئة الموسرين تبادر إلى تقديم الهدايا للفقراء. أما في اليمن فالتنوع الاجتماعي الفريد الذي تتمتع به اليمن يجعل رمضان مختلفاً من منطقة إلى أخرى لأن اليمن تمثل قارة متكاملة في لباسها وأطعمتها وأشربتها وفنها وايقاعاتها وجميع عاداتها كنوع يبعث على الاعجاب، وقد يكون ذلك لتنوع التضاريس أو المناخ عن السهول الغربية إلى المرتفعات الوسطى. وفي رمضان تمتزج العادات الحميدة بالابتهالات الصوفية المنتشرة في كثير من ربوع اليمن ويقضي الناس أوقاتهم على قباء من نور ينشدون الغفران من الله والقرب منه آملين أن يكونوا من عتقاء الشهر الكريم. فالتنوع في اليمن جعل رمضان متنوعاً وجذاباً وجديراً بالوقوف عنده ففي بعض مناطق اليمن ازدهرت الحياة والنمط الصوفي. فتسجل في رمضان أروع الابتهالات والذكر الحكيم بدءاً من بعد صلاة التراويح بالتوجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بأن يتقبل منهم صومهم وأن يتقبل قيامهم وأن يقيهم من النار ويدخلهم الجنة مع الأبرار من تراتيل ربانية ولأن الليل طويل. ومع استمراره في بسط اقدامه على الأرض يتوافد الناس إلى المجالس الجماعية التي تغشاها روائح البخور والعود وأفخر أنواع الطيب. وهكذا يبدأ الليل في شهر رمضان باستدراج لطيف نحو الآفاق العليا والأحاديث الجماعية عن الجنة والنار حثاً على البر والتقوى والعمل الصالح واستغلال الشهر الكريم لأن يكون شاهداً بالخير والبركات. ومع اطلالة ليلة اليوم الجديد يبدأ التهجد وصلاة التسابيح حتى اعلان السحور ومع افتراق الليل والنهار يفترق الرجال وتغشى سحائب المحبة كل بيت من بيوت القرية والمدينة. ذلك كان مشهداً من معظم قرى ومدن اليمن في شهر رمضان.