الأجواء الحميمية لجلسات القمة الخليجية الثانية والثلاثين، سواء داخل قاعات الاجتماعات أو حتى في خارجها حيث يتواجد الإعلاميون والمستشارون والوفود المرافقة، تشعرك بأن مؤتمر القمة ليس مؤتمراً لمنظومة إقليمية، بل اجتماعٌ لقيادة واحدة ومجلس واحد لكيان واحد. في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية والإقليمية تنتشر الإشاعات، فيتبادل الصحفيون المعلومات وما يمكن أن يصدر من قرارات، وعن وجود خلافات في الرؤى والطرح، وأن المقترح الفلاني لأحد الوفود قوبل بالرفض، وآخر تكتل عدد من الوفود مقابل مجابهته في وفود أخرى. قمة الرياض الخليجية غابت عنها كل هذه الأجواء، حتى مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالطلب من إخوته الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لإقامة كيان واحد لم يعلم عنها أحد إلا بعد الإعلان عنها من قبل من بادر بإطلاقها. سير جلسات القمة والمداولات تمت بسلاسة وحسن تعامل وإدارة حكيمة لرئيس القمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مرَّ اليومان بهدوء وبعيداً عن صخب مؤتمرات القمة لتتوج بقرارات عززت العام الأخير لمسيرة التعاون وستسهم إيجابياً بالانتقال إلى مرحلة الاتحاد. فبالإضافة إلى مباركة وتأييد قادة دول الخليج لطلب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، جاءت قرارات تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والبدء في التطبيق الجاد الموحد للاتحاد الجمركي والدخول في الإعداد لإطلاق العملة الخليجية الموحدة وتهيئة أسس السوق المشتركة لتكمّل وضع البنى الاقتصادية للكيان الواحد المرتقب، كما أن الاتفاق على تقوية وزيادة التعاون الدفاعي والأمني سيعمل على بناء سياج وقائي خارجي وداخلي لحماية مكتسبات التنمية ومسيرة التوحيد، أما القرار الذي سيكون له أثر طيب وإيجابي ويعمل على بناء الهوية الوطنية الواحدة لأبناء الخليج، فهو اعتماد التعامل بالهوية الشخصية الذكية في جميع القطاعات بجميع دول المجلس الست، مما يعني البدء في إشعار المواطن الخليجي بأنه مواطن في أي دولة من دول الخليج وأنه يعامل كابن من أبناء الدولة. وهكذا تؤكد دول الخليج بأنها وحدة واحدة حتى وإن لم تكن دولة واحدة بعد... فهم قبل كل ذلك عائلة واحدة، لهم خصائص وتربطهم وشائج عدة وأن مصيرهم واحد مآله الوصول إلى دولة واحدة ذات كيان واحد يعزز الانتماء الواحد والمصلحة الواحدة.