سرى في كل جارحة دبيباً! ما أعظم مصيبتنا في فقد غاليتنا الحبيبة إلى قلوبنا جدتي نورة بنت عبد الرحمن المشعل التي غادرت منزلها عش حياتها الزوجية، والذي قضت فيه أحلى أيام عمرها أكثر من خمسين عاماً بجانب زوجها جدنا الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف يحفهما الحب والوئام، وقد رزقهما الله ذرية صالحة تدعو لهما، وتجدد ذكرهما بحسن التعامل مع غيرهم، ومد يد العون بمساعدة المحتاجين والأيتام..، ولقد خيم الحزن على ذلك المنزل، وعلى منازل أخوالي وخالاتي، بل وعلى منازل شقيقيها الشيخين الكريمين: مشعل وعلي أبناء الجد عبد الرحمن بن عبد العزيز المشعل، وكان منزلها يَعُجُّ بالزوار والزائرات من أسرتها، ومن صديقاتها وجيرانها لعلو مكانتها في قلوبهم، فهي محبوبة لدى الجميع لما تتمتع به من دماثة خلق وترحيب بمن يزورها، كما أنها عطوفة على الأطفال، وأفراحهم بما يتيسر من هدايا وحلوى، وإدخال السرور في نفوسهم بمداعباتها الخفيفة لهم، ولقد حزنت تلك البراعم الصغيرة على رحيلها العاجل، وقل وقوفهم المعتاد أمام غرفتها مستودع أفراحهم..، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور ما بداخلهم من لوعات الفراق وهم يتبادلون النظرات بصمت ملؤها الحزن والأسى، فمنظر أولئك الأطفال الصغار في تلك اللحظة يهيج البواكي حتماً...! كان الله في عونهم وجبر مصيبتهم فيها..، حبيب عن الأحباب شطت به النوى وأي حبيب ما أتى دونه البعدُ فلسان حال من اعتاد زيارة ذاك البيت في حياتها يتمنى من أبنائها وبناتها الاستمرار في استقبال من يؤمه، وقت تواجدهم فيه في أواخر كل أسبوع، وفي الإجازات ومواسم الأعياد لئلا يستشعرون معنى هذا البيت الذي ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا ما رأس أهل البيت ولى بدا لهم من الناس الجفاءُ وليس الجفاء المتعارف عليه، وإنما اجتنابه وهجره ثم نسيانه لعدم وجود من يستقبلهم ويرحب بهم، وبحول الله سيظل الباب مفتوحاً بوجود والدنا جدنا الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف وأخوالي وخالاتي والواقع أن جدتي نورة أم محمد- رحمها الله رحمة واسعة- كانت شمعة مضيئة في أرجاء منزلها، محبوبة لدى جيرانها ومعارفها تزور وتُزار باستمرار، فحياتها كلها سعادة ومسرات، وعبادة لا تنقطع..، تحرص على إدخال السرور والبهجة على الكبير و الصغير، فالابتسامة لا تبرح محياها في كل الأحوال..، وكانت -رحمها الله- تحثنا على أداء الصلوات في أوقاتها، والتحلي بالصفات الحميدة، ولبس ملابس الحشمة الساترة الضافية، وطاعة الوالدين، والإنصات إلى توجيهاتهما ونصائحهما والدعاء لهما في كل الأوقات وأدبار الصلوات والنوافل، والحرص على تلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه، ومن الأحاديث النبوية فهي تعتبر خير مربية ومعلمة لنا وقدوة صالحة لأسرتها ومعارفها...، ولله در شاعر النيل حافظ إبراهيم حيث يقول: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق تغمدها الله بواسع رحمته وألهم ذويها الصبر والسلوان وجمعنا الله بها في دار النعيم المقيم.