وزير الاتصالات يجتمع في الولايات المتحدة بشركات في الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة    طيفك باقٍ.. خالي إبراهيم الخزامي    عشرون ثلاثون    ولي العهد يعزي ملك المغرب هاتفياً    تركي بن محمد بن فهد يُدشن المبنى الرئيسي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    أمين القصيم يفتتح ورشة العمل التشاورية    12 مليون برميل هبوط مخزونات النفط الأمريكية    مغامرات لعبة "ماجك"، و"ميني بمپر كارز".. «مدينة الصين».. وجهة سياحية في «سيتي ووك»    ورشة عمل.. «لمشروع رفع الحيازات الزراعية.. بجازان    60 سنة هجرية شرط الحصول على «معاش التقاعد»    205 منتجات وطنية في قائمة المحتوى المحلي    عقود جديدة في «جازان للصناعات الأساسية»    فيصل بن مشعل يرعى انطلاقة ملتقى القصيم العقاري ويدشن أعمال «السجل» في المنطقة    أكد الرعاية الإنسانية الكريمة والدعم المستمر من القيادة الرشيدة.. د. الربيعة يتفقد برامج مركز الملك سلمان لإغاثة متضرري الزلزال في سوريا وتركيا    انتشار الجرب والجدري في المخيمات    ولي العهد يستعرض مع بوكر العلاقات السعودية - الأميركية    الجامعة.. اليوم حزب الله وغداً داعش !    خبراء أمميون يدينون غياب العدالة في الضفة الغربية    حرب السودان.. ماذا بعد التصعيد ؟    مذكرة تفاهم للمشاورات السياسية بين السعودية وإستونيا    القادسية يعلن رحيل العابد والزوري    بدء المرحلة الثانية من مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية    وزير الرياضة يبارك للبطل السعودي"آل حزام" التأهل لأولمبياد باريس    في الجولة الأولى من البطولة العربية .. أخضر الطائرة يتغلب على الكويت    الإيطالي بيولي مدرباً للاتحاد لثلاثة مواسم    تستضيفه السعودية لمدة 8 أسابيع.. كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. تجربة غير مسبوقة    ديميرال يصنع التاريخ    توزيع 28 طناً من لحوم الأضاحي على 2552 أسرة في الشرقية    حفظ أكثر من 800 ألف كيلو من فائض الطعام في موسم الحج    «بر الرياض» تحتفل بنجاح أبناء المستفيدين.. وتكريم خاص لخريجي الثانوية    سنوات الدراسة واختبارات القياس !    ولي العهد يترأس مجلس الوزراء ويعرب عن تقديره للأعمال المميزة خلال الحج.. الموافقة على نظام التأمينات الاجتماعية الجديد للملتحقين الجدد بالعمل    أمير الشرقية يدشن مقر" البركة الخيرية"    جامعة الملك خالد تستحدث برامج ماجستير وتعتمد التقويم الجامعي لعام 1446    ارتفاع 80 % في درجات الحرارة و70 % في الأمطار    الخيمة النجرانية.. تاريخ الأصالة والبادية    أمانة تبوك تواصل أعمالها الصحية في معالجة آفات الصحة العامة    الاحتفاء بالعقول    لا تنخدع بالبريق.. تجاوز تأثير الهالة لاتخاذ قرارات صائبة    يقين التلذذ.. سحرٌ منصهر.. مطرٌ منهمر    هزيع مُصلصل    جامعة الأميرة نورة تستقبل طلبات مسابقة اللغة العربة    تعقيب على درع النبي وردع الغبي !    رُبَّ قول كان جماله في الصمت    هندسة الأنسجة ورؤية 2030: نحو مستقبل صحي مستدام    5 أخطاء تدمر شخصية الطفل    أطباء سعوديون يعيدون الأحبال الصوتية لطفل    150 دقيقة أسبوعياً كافية لمواجهة «التهديد الصامت»    المفتي العام يستقبل مسؤولين في الطائف ويثني على جمعية «إحسان» للأيتام    الحجاج يجولون في المعالم التاريخية بالمدينة المنورة قبل المغادرة لأوطانهم    «البيت الأبيض»: الرئيس بايدن ماضٍ في حملته الانتخابية    ماكرون يحضّ نتانياهو على «منع اشتعال» جبهة لبنان    عروض شعبية ببيت حائل    تكليف المقدم الركن عبدالرحمن بن مشيبه متحدثاً رسمياً لوزارة الحرس الوطني    تجسيداً لنهج الأبواب المفتوحة.. أمراء المناطق يتلمسون هموم المواطنين    وصول التوأم السيامي البوركيني الرياض    الحج .. يُسر و طمأنينة وجهود موفقة    هنّأ رئيس موريتانيا وحاكم كومنولث أستراليا.. خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ عبدالعزيز النصار ... القاضي بديوان المظالم بالدمام ل الجزيرة : من وسائل السلامة من الفتن لزوم جماعة المسلمين، وطاعة ولي الأمر
مؤكداً أن الفتن لا يسلم منها أحد بالخير أو الشر
نشر في الجزيرة يوم 16 - 11 - 2001

حذر فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار القاضي بديوان المظالم في الدمام المسلمين من الفتنة التي تعترضهم في حياتهم سواء كانت فتنة شهوات أو شبهات فإن أمرها عظيم وخطرها جسيم، لكنها تزداد خطورة ويعظم أمرها حين تتعدى العدد إلى المجتمع فيموج فيه المجتمع ويروج، وتختل فيها الموازين، وتتعدد الاتجاهات، وتختلف، وهي تلك الفتن التي تحدث بين المسلمين فيما بينهم بسبب ما يحدث بينهم من اختلاف أو شقاق أو اقتتال، أو بسبب اختلاف مواقفهم من التعامل مع غير المسلم حرباً أو سلماً.
وأوضح فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار في حديث ل«الجزيرة» سبب خطورة هذا النوع من الفتن أن ينتج عنه خلل في عقيدة المسلم، وأن آثارها وأضرارها قائمة لتشمل المجتمع، بل والأمة بأسرها، فتؤدي إلى انشقاق وانقسام صفوفها، وتفرق شملها فيستغلها الأعداء وفاسدو القصد، مشيراً إلى أنه يبرز فيها حقد الحاقدين وحسد الحاسدين، ويسعون جميعاً لتقويض بناء الأمة، روي عن ربعي بن حراش عن حذيفة أنه قدم من عند عمر رضي الله عنه قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ فقالوا نحن سمعناه، قال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله، قالوا: أجل، قال: لست عن تلك أسأل، تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر.. الحديث.
وقال فضيلته في سياق حديثه إننا في زمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق وقوع الفتن العظيمة فيه، فتن كقطع الليل المظلم، فتن تترى، كل فتنة منها يقول المؤمن هذه مهلكتي، ولكن الشرع كما هو الحال في كل الأمور وفي كل شؤون الحياة جاء ببيان الطريق المؤدي إلى السلامة من تلك الفتن وهو تحقيق سلامة القلب وصفائه وصلاحه وثباته، ومقومات تحقيق القلب السليم المخبت لربه الذي ينكر الفتن ولا يشربها، وتمحصه وتنقيه، ولا يتعثر فيها، هي في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه رضوان الله عليهم وسلف هذه الأمة.
ومضى فضيلته قائلا: لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يبتلي عباده بالفتن على مر العصور والأزمان منذ أن أوجد الله الإنسان «يا بني آدم لا يفتنّنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ..»، مبيناً أن الفتنة هي ابتلاء وامتحان للإنسان سواء كان فردا أو جماعة أو أمة بما يحدث له أولهم من حوادث في هذه الدنيا، ويظهر من خلالها ما بطن من حال الإنسان خير أو شر.
الامتحان المتعدد
وأفاد فضيلة الشيخ النصار أن الفتنة عامة للجميع لا يختص بها أحد دون أحد، يقول سبحانه :«وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا»، فالله تعالى امتحن ويمتحن بعض الناس ببعض، فامتحن الرسل بالمرسل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على الأذى والمشاق في تبليغ الرسالة، وامتحن المرسل إليهم بالرسل، وهل يطيعونهم ويصدقونهم وينصرونهم أم يكفرون بهم، وامتحن العلماء بالجهال، وهل يعلمونهم وينصحونهم وينصرونهم، ويصبرون على تعليمهم ونصحهم وإرشادهم، وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع، والأتباع بالسادة، وامتحن الرجل بامرأته، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وامتحن الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بهم، وامتحن المؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، فالكافر مفتون بالمؤمن في هذه الدنيا ، كما أن المؤمن مفتون به، ولهذا سأل المؤمنون ربهم ألا يجعلهم فتنة للذين كفروا، يقول سبحانه :«ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا..» ويقول عز وجل :«ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين» أي لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، ولا تظهرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين.
ومضى فضيلته قائلاً: وقد أخبر الله عز وجل أن كلا الفريقين مفتون بالآخر، يقول سبحانه: «وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين» ويقول سبحانه :«...أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين»، مؤكدا أن الفتنة لا يسلم منها أحد، يقول سبحانه :« واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب»، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا يقول أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، لأن الله تعالى يقول :«إنما أموالكم وأولادكم فتنة» فأيكم استعاذ فليستعذ بالله مضلات الفتن.
وأشار فضيلة القاضي بديوان المظالم بالدمام إلى أن الفتن التي يبتلى بها العبد في هذه الدنيا قد تكون نعما ورغدا من العيش وتمكينا، وقد تكون مصائب من خوف وفقر وحاجة ومرض وفقد عزيز وظلم واعتداء واختلاف ومنازعة واقتتال، فالفتن قد تكون بالشر وقد تكون بالخير يقول عز وجل:«ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون»، فالفتن التي يتعرض لها الإنسان في هذه الدنيا نوعان، النوع الأول: فتن الشهوات، وهي شهوات الدنيا وملذاتها مما يشغل عن الآخرة، من شهوات النساء والأولاد والأموال والجاه وغيرها، وارتكاب المعاصي وتناول المحرمات بسببها، يقول سبحانه: «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب».
واستطرد فضيلته قائلا: فالله أباح للإنسان ما يسد حاجته، ويفي برغبته، وشرع التزود في ذلك وفق طريق الشرع، ولكن الإنسان مفتون في هذه الدار بتجاوز المشروع من الشهوات التي يراها ويشاهدها ويتناولها ويسمعها مما تعجز عزيمته وصبره عنها، يدفعه إلى تجاوز النفس الأمارة بالسوء وكيد شيطانه المغوي المزين، الذي لا يسلم منه إلا من شاء الله فيزين الفعل الذي يضر العبد حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفرة عن الفعل الذي هو أنفع الأشياء له حتى يخيل له أنه يضره،ويسهل عليه المعصية ويهون عليه الحرام حتى يقع فيه، فإذا وقع فيه حثه وزين له الاستمرار عليه، وأعظم منه، ويتفق مع ذلك ويقويه ضعف الإيمان واليقين، وضعف القلب، ومرارة الصبر، وذوق حلاوة العاجلة، وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكون العوض مؤخرا في دار أخرى غير هذه الدار.
فتن الشبهات
وأبان فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار أن النوع الثاني من الفتن هو فتن الشبهات، وهي التي يشتبه فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال والمعروف بالمنكر والسنة بالبدعة، وهي التي تموج فيه الأمور وتنقلب المفاهيم، وربما استحكم مرضها على العبد، فاستجاب لما يلقيه الشيطان في الأسماع من الألفاظ وفي القلوب من الشبه والشكوك، حتى يعتقد الحق باطلاً والباطل حقاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، موضحاً أن من أسباب هذا النوع من الفتن ومنشئها: الفهم غير الصحيح للوقائع والأحداث أو الاعتماد على نقل كاذب، أو وجود حق ثابت خفي على الشخص، فلم يظفر به ويعلمه، أو الرغبة في تحقيق غرض فاسد، والانتصار للهوى لعمى في البصيرة وفساد في الإدراك.
وأضاف في السياق ذاته قائلاً: وجماع ذلك قلة العلم الشرعي عنده والذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وضعف في البصيرة والإيمان، أو فساد في القصد واتباع للهوى، فالمفتنون وحاله كذلك يتلقفه الشيطان بكيده، ويجلي له الباطل، ويبرزه في صورة مستحسنة، ويشنع الحق ويخرجه في صورة مستهجنة، ويسحر العقل حتى يلقي صاحبه في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة ويسلك به سبل الضلال كل مسلك، ويلقيه من المهالك إلى مهالك أبعد منها، وقد جمع الله تعالى ذكر الفتن بقوله سبحانه :«كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون».
وأكد فضيلته أن القلب هو أساس صلاح العبد أو فساده، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، فالقلوب هي محل تلقي الفتن، والفتن كير القلوب وممحصة لها، وبها يتبين الصادق من الكاذب، وقلوب العباد في تلقي الفتن والتأثر فيها ثلاثة. قلب صحيح سليم وقد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول له، وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وقلب ميت، وهو القاسي الذي لا يقبل الحق ولا ينقاد له فهو منغمس في شبهاته وواقف مع شهواته وملذاته يسعى للفوز بها وتحقيقها ولو ان فيه سخط ربه.
بين قلبين!
وأشار فضيلته إلى أنه بين هذين القلبين قلب مريض له حياة وبه علة، فيه من محبة الله والإيمان والإخلاص له والتوكل عليه، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والغلو والفساد في الأرض، فهو ممتحن بين داعيين، داع يدعوه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وداع يدعوه إلى العاجلة الفانية، فإن غلب عليه مرضه التحق بالميت، وإن غلبت عليه صحته التحق بالسليم، وقد بين الله تعالى القلوب الثلاثة في قوله سبحانه :« وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليكم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد. وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم»، وفي الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكتت فيه بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير القلب على قلبين أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربد كالكوز مجذبا وأمال كفه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه».
وأبان فضيلته أن تعثر القلب وفساده بسبب فعل الفتن والخوض فيها ومهاويها والانجراف وراءها وإحياؤها هو المصيبة الكبرى، لأنه يحصل بفساد القلب فساد الدين، إذ أن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد باطل وهو البدع وما والاها من تأويل وتحريف، وهو فساد من جهة الشبهات، وإما أن يكون بالعمل بخلاف العمل الصحيح وهو الفسق في الأعمال وهو فساد من جهة الشهوات، ويزيد الأمر خطورة ويعظم الخوف من الانزلاق في الفتن ببعد الزمن عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون المفضلة، عن عبدالله بن عمر، بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأت منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر..» رواه الإمام مسلم وغيره.
ومضى فضيلة الشيخ النصار في ذات السياق قائلاً: ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : ليس عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم».
وسائل السلامة من الفتن
وأورد فضيلته أن من وسائل السلامة من الفتن، أولاً: لزوم كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تعلماً وعملاً، وتجريد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيمه في دق الدين وجله ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الدين، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وذلك من أجل تحصيل العلم الشرعي الصحيح النافع الذي يهيء الإنسان لمواجهة ما يعترضه من أمور ويمكنه من تقويم ما يطرأ من وقائع وأحداث على أساس علمي شرعي متين، روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا :« إنا سمعنا قرآنا عجباً»، هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم»، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم».
وأضاف فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار أن من وسائل السلامة من الفتن لزوم جماعة المسلمين، وطاعة ولي الأمر، والبعد عن كل ما يؤدي إلى إثارة البلبلة، وشق عصا الطاعة، فمعلوم أن لزوم الجماعة، وطاعة ولي الأمر واجبة تحصر في مثل هذا الموقف، ولكن وجوب طاعته، ولزوم جماعته تزداد أهمية، وطلباً في أوقات الحوادث والفتن، وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن، قلت وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منها وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» رواه الإمام مسلم وغيره.
واستطرد فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار في ذكر الوسائل التي تقود إلى السلامة من الفتن، قائلاً: منها أيضا الاقتداء بالسلف الصالح، وسلوك مسلكهم عند وقوع الفتن، فقد توالت الفتن على المسلمين على مر الأزمان، وفي كل فتنة كانت مواقف السلف فيها تتزن بالحكمة وعدم الاشتغال بالفتنة أو الخوض فيها، بل البعد عنها، وذلك تنفيذا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة السابق وأمره له باعتزالها، وما روي عن أبي موسى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم(1). رواه الإمام أبو داوود بإسناد صحيح.
وعدم التسرع في الفتيا ، فالفتيا أمرها عظيم في كل وقت، والجرأة عليها خطيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:« أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار»، وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم :« من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ بنيانه في جهنم، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه» رواه الحاكم، ولذا فقد كان الصحابة والتابعون يتدافعونها ولا يودونها.
خطورة الفتيا!!
وأضاف فضيلة القاضي بديوان المظالم بالدمام في السياق ذاته قائلا : وأيضاً روى عبدالرحمن بن أبي ليلى أنه قال: «أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا»، ويقول عمر رضي الله عنه :« العلم ثلاثة، كتاب ناطق، وسنة ماضية ولا أدري ويقول لأبي الشعثاء: لا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية، وتعظم خطورة الفتيا والجرأة عليها عند قيام الفتن والأحداث، لأن الفتيا في أمر يستلزم الإحاطة به وتصوره من جميع جوانبه ليتسنى تنزيل النصف على الواقعة تنزيلاً صحيحاً، وعند الأحداث والفتن يصعب على كل أحد يلم شتاتها وإبعادها ومعرفة خلفياتها، ولا يتهيأ ذلك إلا لقلة قليلة ممن وهبه الله العلم والحكمة والعقل والتمكين بالإطلاع على أمور منها لا يطلع عليها العامة، ولذا يجب أن يترك أمر الإفتاء لأولئك العلماء وأن لا يخوض به كل أحد، لتقع الفتوى موقعها الشرعي، ولا تكون إثارة وإشعالاً للفتنة.
وأضاف فضيلته قائلاً: إن من وسائل السلامة من الفتن، ملازمة العلماء، والرجوع إليهم فيما يحدث، وتلقي توجيههم دون مراء أو متابعة هفوات، وعرض ما يستوقفه وما يره عليهم ليرشدوه ويدلوه على الخير بما لديهم من علم وحكمة وخبرة ودراية ليكون على بصيرة بما ينبغي عليه أن يفعله، يقول الله تعالى :«وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً».
واستشهد فضيلته أيضاً بقول الإمام أحمد رحمه الله في خطبة كتابه في الرد على الجهمية: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالية وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة..الخ».
وأشار فضيلة الشيخ عبدالعزيز النصار في ذات الشأن إلى أن القصد بالعلماء هم علماء الشرع الذين أسندت إليهم الأمة أمرها في الفتيا والقضاء ممن عرفوا بالاجتهاد والزهد والورع، وفي المقابل يجب الحذر من أدعياء العلم الذين ينسبون لأنفسهم من العلم ما لم يحققوه وإنما يحاولون إبراز أنفسهم من خلال مخالفة العلماء والنيل منهم وانتقاصهم، وهم أولئك الذين يقدمون الرأي على الشرع والهوى على العقل فإنهم أصل كل فتنة، كان السلف يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
وواصل فضيلة القاضي بديوان المظالم بالدمام حديثه قائلاً: إن من وسائل السلامة أيضاً من الفتن، الحذر من التأويل الباطل، وهو القول في الأمور بدون علم شرعي، والاندفاع فيها دون حكمة، والتصدر لها دون إحاطة لها، فبالتأويل الباطل قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وعاشت الأمة في دمائها وكفر بعضها بعضاً، وتفرقت على بعض وسبعين فرقة، وكذلك التحقيق والتثبت من الأخبار التي يسمعها أو تنقل إليه وعدم قبولها والقناعة بها ما لم يثبت بصحة مصدرها، فكثير مما يقال وينشر ويذاع قد لا يكون صحيحاً، لاسيما وقت الأحداث والفتن يكثر القيل والقال وتكثر الإشاعات مما لا أصل له، وأيضاً من وسائل السلامة من الفتن هو اعتبار ما حدث من أحداث وفتن، أراد الله حدوثها وقدره على عباده، ولذا يجب التسليم بها ومواجهتها بالصبر واليقين.
وأكد فضيلته أن ما يحدث للعبد من الابتلاء وما يناله من الفتن قد يكرهه ويكون فيه له خير وقد يرغبه ويحبه ويكون شراً قال الله تعالى :«عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، ويقول سبحانه :« فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً»، واليقين والصبر وسيلة لدفع فتن الشبهات والشهوات ولذلك جعل الله إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال:«وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون» ويقول سبحانه: «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» فالحق يدفع الشبهات والصبر يدفع الشهوات، وجاء في حديث مرسل «إن الله يحب الصبر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة.
وأبان فضيلته أن ما يتعرض له العبد من الفتن وإن كانت بإرادة الله وتقديره لكن أسبابها من قبل العبد، فما يحدث من فتن وما يتعرض له العبد من مصائب يفتتن بها، إنما هي من قبل نفسه وبسبب عمله وما يرتكبه من ذنوب ومعاص وآثام فليس في الوجود شر إلا بسبب الذنوب يقول سبحانه :« أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير»، ويقول سبحانه :« وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير» ويقول جل ذكره :«ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم»، ولذا فإن أوائل التعامل مع الفتن إذا وقعت هو تحقيق التوبة النصوح بشروطها والعودة إلى الله تعالى بالإقلاع عن الذنوب صغائرها وكبائرها والندم على ما فات منها والعزم على عدم العودة إلى شيء منها عزماً صادقاً.. فضلاً عن أن الوقاية من الفتن باجتناب أسبابها هو الخير كله. بالتزام شرع الله القويم وصراطه المستقيم ومتابعة سيد المرسلين. نسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1) أي لا تبرحوها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.