في مرحلة التأسيس بالمملكة العربية السعودية.. كان للتعليم نصيبٌ من التطور التدريجي حيث كانت البدايةُ في انتشار «الكتاتيب» في عدد من المدن والقرى ثم انتشرت المدارس الخاصة التي تُعدُّ امتدادا للكتاتيب، وكان من أشهرها بمدينة الرياض: مدرسة المفيريج، ومدرسة ابن خشْران، ومدرسة آل حَيّان، ومدرسة آل فهيد، ومدرسة آل خيّال، ومدرسة ابن هزّاع، ومدرسة ناصر بن حمدان. وكلُّ هذه المدارس وغيُرها كثير كانت تعلّمُ القرآن الكريم والتجويد.. ومنها ما يُعنى بالقراءة والخط كمدرسة آل فهيد. وبعد ذلك نشأت «مدرسةُ السَّنّاري» التي تُعدُّ من المدارس النموذجية. أسسها الشيخ محمد السنّاري رحمه الله وفيها يتمُّ تعليم القرآن الكريم، والكتابة والقراءة والإملاء والحساب وبعض المواد الأخرى، وهناك مدرسةُ ابن مديميغ كذلك تسيرُ على منهاج «مدرسة السنّاري» وقد استمرت تلك المدارسُ إلى بداية التعليم النظامي مع بداية إنشاء مديرية المعارف العامة عام 1355ه كما أشار إلى ذلك كتابُ «الملك عبدالعزيز والتعليم» للدكتور عبدالله سعيد أبو راس والأستاذ بدر الدين أديب ومنها ما استمر بعد ذلك. وكانت أول مدرسة نظامية أنشئت بالرياض هي المدرسة الأهلية بالبطحاء التي أنشئت بتبرعات أهالي مدينة الرياض عام 1367ه احتفاءً بعودة الملك المؤسس عبدالعزيز من زيارة مصر عام 1365ه، وأطلق عليها لذلك «المدرسة التذكارية»، وقد اختير أول مديرٍ لهذه المدرسة الأستاذ عبدالله بن إبراهيم بن سليم. * الأستاذ عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن سليم واحدٌ من الرجال التربويين الرائدين في بداية تأسيس التعليم النظامي بالمملكة في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله ومن الذين أسهموا فيه، وتواصلوا معه. وُلِدَ عبدالله بن إبراهيم السَّليم عام 1332ه في مدينة (بريدة) بالقصيم، وفيها تلقى تعليمه لدى والده الذي كان معلماً ومدير مدرسة (كُتّاب) ببريدة آنذاك، ولدى عدد من العلماء والمشايخ الأفاضل في ذلك الوقت. * في كتابه بعنوان «من رُوّادِنا التربويين» تناولَ الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الزيد عدداً من الشخصيات التربوية، ومنهم الشيخ عبدالله بن سِليّم. فأشار إلى حديثه عن التأليف واهتمامه بالتقويم الهجري والميلادي والتوقيت الزوالي وتأليفه تقويماً في ذلك. * معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي من الرجال الذين عاصروا الشيخ عبدالله بن سليم وعرفوا ريادته وفضله، يتحدثُ عن شخصية عبدالله السليم فيقول (1): يعتبر أستاذنا الشيخ عبدالله بن إبراهيم آل سليم من العلماء الأدباء المربين فهو من كبار العاملين في حقل التعليم أول ما بدأ التعليم في مدرسة «آل سيف» وهي مدرسة خيرية أوقفها آل سيف على التعليم في بريدة. والمراد بذلك أنهم أوقفوا المبنى وجعلوا من أراد أن يتعلم فيها فإنه يستطيع أن يعمل ذلك بدون أن يدفع أجرة. وآل سيف هم أخوال الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم ومن المدرسة هذه التي تعتبر مدرسة خاصة أنشأها وأدارها بنفسه انتقل إلى إدارة المدرسة الحكومية التي كانت تسمى المدرسة السعودية. وقد فُتحت في عام 1356ه وهذا وقت مبكر كما نعرف وقد عيِّن الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم مديرا للمدرسة. وبعد ذلك بسنة أي في عام 1357ه فأدار المدرسة إدارة جيدة بخبرته وبمعرفته والشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم عرفته كما قلت عالما وأديباً وخطاطا وحاسبا ويكفي أن نعلم أنه يعتبر أول فلكي في المنطقة. وهو مهتم بشرح علم الفلك لعامة الناس وقد ألف في علم الفلك عدة مؤلفات بعضها مطبوع وبعضها لا يزال مخطوطاً. من المؤلفات المطبوعة التقويم المبسط المفيد، كتاب تقويم الأوقات بالتاريخين الهجري والميلادي. والثالث تحفة المزارع في بيان النجوم والطوالع. وهنالك تآليف أخرى له منها كتاب أشبه ما يكون بالترجمة الذاتية أو السيرة الذاتية ولكنه لم يطبع كتاب اسمه «فصل المقال بوجوب تعليم النساء كالرجال». والمراد من ذلك أن المرأة ينبغي أن تتعلم كما الرجل ينبغي أن يتعلم ولكن ليس مراده أن المرأة ينبغي أن تتعلم ما يتعلمه الرجل. * شيخنا وأستاذنا الشيخ عبدالله بن سليم رحمه الله ولد في عام 1332ه من أسرة علمية فهو عبدالله بن إبراهيم والده إبراهيم كان إماما لمسجد في بريدة وكان من طلبة العلم المشهورين ومن الخطاطين الذي كتب مجلدات عديدة بخطه اطلعت على عدد منها. منها «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن الجوزي، وكتب أخرى رأيتها وهي محفوظة. وجده الشيخ محمد بن عمر بن سليم من علماء المملكة المشهورين ومن علماء نجد في ذلك الوقت المشهورين أيضاً. أما جد والده الشيخ عمر بن عبدالعزيز بن سليم فإنه أول من جاء من الأسرة إلى بريدة قادما من الدرعية في عام 1233ه قبل واقعة الدرعية بسنة واحدة وهو من الأثرياء المشهورين ويدل على ذلك الدفتر والوثائق الموجودة التي كان يداين بها الفلاحين وهو إلى ذلك طالب علم وكان إماما لمسجد. الشيخ عبدالله عريق في إمامة المساجد. فهو إمام مسجد، ووالده الشيخ إبراهيم إمام مسجد وجده الشيخ محمد بن سليم إمام مسجد وجد والده الشيخ عمر بن عبدالعزيز بن سليم الذي هو أول من قدم من أسرة آل سليم من الدرعية إلى بريدة هو إمام مسجد أيضاً. والشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم يعتبر أيضا أستاذ جيل، تخرج على يديه أفواج من طلبة العلم ومن الشخصيات التي تسلمت وظائف كبيرة في الدولة. وقد وُلد كما قلت عام 1332ه وتوفي في عام 1416ه في بريدة وكان قد شغل إدارة المدرسة الأهلية التذكارية في الرياض. وإلى جانب إدارة الشيخ عبدالله بن سليم للمدرسة التذكارية في مدينة الرياض فقد أسند إليه إدارة أول مدرسة ثانوية بالمنطقة الوسطى كذلك ثم أنشأ معهد المعلمين في عام 1369ه الذي استقطب كثيراً من المدرسين للعمل به والطلاب والموظفين وغيرهم للالتحاق به والدراسة فيه وكان للشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم دور فاعل في إنشاء هذا المعهد وجلب المعلمين المؤهلين للعمل فيه. ثم انتقل رحمه الله إلى بريدة لافتتاح معهد المعلمين هناك عام 1375ه تولى الإدارة فيه حتى افتتح المعهد الثانوي في بريدة عام 1385ه فأسند إليه إدارته. هذا الدور المتواصل في ميدان التعليم يبين ريادة الشيخ المعلم عبدالله بن إبراهيم بن سليم. أمّا الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل فيحدثنا عن الأستاذ عبدالله السليم فيقول (2): هذا العالم الجليل يحتل مكانة عند تلاميذه وعارفيه. وما من أحد من معاصريه إلا ويذكر اسهاماته العلمية والفلكية، وليس هذا بغريب وهو سليل بيت علم، فآل سليم معروفون ولهم إسهاماتهم المتميزة في القضاء والتعليم ودورهم مع الملك عبدالعزيز رحمه الله أثناء تأسيس هذا الكيان العظيم ودورهم معروف ومتداول تاريخيا وفي أوساط المجتمع وقد عرفت الأستاذ عبدالله يوم كان مديراً لمعهد المعلمين وحاولت الانتقال إذَّاك من المعهد العلمي وكنت طالباً في عام 1374ه إلى معهد المعلمين الذي هو مدير له فأشار عليَّ بمواصلة دراستي بالمعهد العلمي الذي يهيئ دارسيه للدراسة الجامعية وما رغب مني أن أنهي دراستي في معهد المعلمين المتوسط الذي كان يقبل حملة الشهادة الابتدائية ويخرج مدرسين ابتدائيين على مدى ثلاث سنوات، وكان بهذه المشورة ناصحاً ومحباً وله مني الدعاء الصادق. وكان من قبل من مؤسسي التعليم النظامي في بريدة بالذات وقد تولى عمادة التعليم قبل إنشاء وزارة المعارف ومن مسؤولياته الخاصة والعامة أنه من أوائل من أدخل التعليم الحديث، وتبنى تطور الكتاتيب وأضاف مواد الحساب والمطالعة والإملاء وغيرها على ما كان متداولا بالكتاتيب وأنظمتها المعروفة وكان أهل الرياض قبل عام 1365ه جمعوا مبالغ لإقامة حفل استقبال بمناسبة عودة الملك عبدالعزيز من مصر ولكنه رحمه الله بثاقب نظره وجّه الأهالي بأن ينفقوا ذلك في فتح مدرسة لتعليم أبنائهم وكانت هذه سياسة حكيمة منه ليجعلهم يبادرون بإنشاء التعليم النظامي الذي يتحفظون عليه. وكان أن أنشئت فعلاً المدرسة التذكارية بالرياض وندب إليها الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم رحمه الله بطلب من المشايخ لعلمهم بمعرفته وسلامة مقاصده. بالفعل فتح مدرسة وأقامها على أحدث ما توصلت إليه أوضاع التعليم النظامي وظل هناك إلى أن عاد إلى القصيم وتولى إدارة معهد المعلمين في بريدة. ويُعد من كبار رجال التربية والتعليم ومن أوائلهم وقضى حياته في هذا المجال وترك تلاميذه يشهدون له بالفضل والنصح ويحفظون له الذكر الجميل. وإلى جانب اسهاماته التعليمية له اسهامات علمية أخرى منها: علمه الدقيق بالفلك والفصول وعضويته في لجنة تقويم أم القرى وإعداده لتاريخ الفصول الذي يستفيد منه المزارعون وتأليفه الكتب في هذا العلم النادر والهام. وأيضاً يتمتع رحمه الله بدماثة أخلاقه وثقافته الواسعة وجليسه لا يملُّ حديثه المتشعب والمتنوع وله مكتبة عامرة بأمهات الكتب في مختلف المعارف وكانت مفتوحة لزواره في آخر حياته ومحبيه وطلبته إذ انقطع في آخر حياته للقراءة والتأليف واستقبال زوَّاره والإسهام في خدمة وطنه بالكلمة والجهد والمال. وهو بحق بقية من بقايا العلماء الأجلاء الذين يمثلون مفهوم الثقافة الواسعة والعميقة. وقد ترك مجموعة من الكتب المطبوعة والمخطوطة وعدداً مهولاً من طلبة العلم والأساتذة والدكاترة الذين تلقّوا التّعليم على فضيلته رحمه الله. * والحديثُ عن بداية التعليم في المملكة يأخذُنا إلى بيان دور التعليم في ما شهدته المملكة من نهضة وتطوّر في ميادين شتى حيثُ حظي التعليمُ كغيره من الشئون الأخرى باهتمام جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله فأنشأ عام 1373ه خمس وزارات من ضمنها وزارة المعارف التي أسندت إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله فحظي التعليم منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى الآن بألوان من التطور وقفزات من الارتقاء في شتى مراحله وقنواته ومدارسه وجامعاته ومؤسساته المختلفة. * نعودُ الآن إلى معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الذي عاصر النهضة التعليمية التربوية وأسهم فيها ليواصل حديثه عن التعليم وعن أحد رُوَّاده الشيخ عبدالله السليم فيقول (3): اختار الملك عبدالعزيز للمدرسة التذكارية بالرياض الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم مديراً فافتتحها في عام 1367ه واستمر فيها عدة سنوات ونقل بعد ذلك مديراً لمعهد المعلمين في بريدة. ثم أحيل على التقاعد في عام 1396ه وبقي حتى بعد إحالته للتقاعد في بيته مقصداً لطلبة العلم، وكان مستمراً في البحث ومستمراً في تغيير المسائل وكانت له بحوث مهمة جدا، وربما لم يسبق إلى بعض تلك البحوث أذكر منها أنه حقق واقعة الكسوف التي حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ولم تحدث إلا مرة واحدة ولكن اختلف بعض شراح الحديث الذين ذكروا القضية، في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الخسوف ولكنه حقق أن الكسوف لم يقع في التاريخ الذي ذكره بعض المؤرخين. قال: لأن ذلك مستحيل فلكيّاً أن يقع في التاريخ المذكور لأن الكسوف لا يكون إلا في أوقات معينة. كذلك حقق وقوع يوم عاشوراء وكذلك حقق تاريخ المولد الشريف. وهذه بحوث عزيزة نفيسة تدل على أن الشيخ أستاذنا عبدالله بن إبراهيم بن سليم رحمه الله من المدققين المحققين في هذا الأمر. ولديّ الكثير من الرسائل التي لم تطبع في هذا الموضوع من تحقيقه في الموضوع وهو من الشخصيات الكبيرة التي لا تزال عالقة في الذهن وما تزال ذاكرة عالقة في أذهان تلاميذه مستفيدين منه وعلى طول عمره المديد الذي استمر 84 سنة، كان نافعاً مفيداً منذ أن بدأ في طلب العلم وهو صغير جداً إلى أن توفاه الله. وأذكر أنه كان مولعاً بأشياء غير علم الفلك وكان قد كتب رسالة في العروض والقوافي ولديّ نسخة منها وهذا فن كان عزيزا في ذلك الوقت كما أنه كان يعلم تلاميذه في وقت مبكر الكسور العشرية في الحساب ولم تكن مقررة في ذلك الوقت 1357ه ولم يكن الناس يعرفونها فرحم الله أستاذنا عبدالله بن إبراهيم بن سليم وجزاه عنا وعن الذين تعلموا على يديه واستفادوا منه خيراً. (1) حديث مسجل بالهاتف معه لإذاعة الرياض «برنامج رجال في الذاكرة» من إعداد المؤلف عام 1419ه. (2) حديث للإذاعة رقم الشريط 34862 في 5/4/1419ه.