تعيش العاصمة التركية أنقرة حالة من الحراك السياسي والعسكري غير العادية بتأثير المتغيرات المفاجئة على ساحة التمرد الإرهابي لأنصار حزب العمال الكردستاني (p.k.k) ومقتل (24) مقاتلاً تركياً على الجبهة الجنوبية الشرقية والمقابلة لجبال قنديل داخل الحدود الإقليمية العراقية وضمن الخارطة السياسية لإقليم كردستان العراق ويوازي التحرك العسكري نشاط وتوافق سياسي بين الحزب الحاكم (العدالة التنمية) والمعارضة (حزب الشعب الجمهوري) (حزب الحركة القومية) لرسم بنود الدستور الجديد الذي تعده لجنة برلمانية مشتركة من الحكومة والمعارضة في مجلس النواب التركي. ولأهمية الأحداث المتتالية في منطقة الغليان الكردي شكل رئيس الأركان العامة الجنرال نجدت أوزيل قيادة ميدانية في مسرح العمليات العسكرية ولديه شخصياً خبرة واسعة في منطقة الحدود الجغرافية مع العراق والمناطق الكردية الحاضنة لفرق المتمردين من أنصار حزب العمال الكردستاني؛ لعمله فترة طويلة في هذه المنطقة في فترة خدمته السابقة (قائد قوات حرس الحدود)، ويتوقع المراقبون العسكريون بشن حملة تأديبية انتقامية كبرى غير مألوفة للقوات التركية البرية والجوية داخل منطقة كردستان العراقية رداً على هجمات المتمردين الأكراد على مسعكرات الجيش التركي في منطقة (حكاري) الحدودية مع كردستان العراق وفي تصريحات البرزاني وخشية امتداد ساحة القصف الجوي التركي لمدن كردية داخل الإقليمي (صوك - أربيل - السلمانية) مندداًَ بهجوم أنصار حزب العمال الكردستاني على معسكرات الجيش التركي داخل منطقة (حكاري) ووصفها بأنها تشكل خطراً على إقليم كردستان أكثر من تأثيرها على تركيا! وألغى الرئيس رجب طيب أردوغان زيارة رسمية لجمهورية قازقستان كان مقرراً لها، وتوجه من مطار أنقرة إلى منطقة (ديار بكر) ذات الأكثرية السكانية الكردية والتي يعلنها الأكراد عاصمة لكردستان الكبرى وطلب أردوغان من مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي ليكونا في حالة اجتماع دائم، وفي تصريح مختص وقد بدا على وجهه الغضب «لقد نفذ صبرنا ويجب على المسؤولين في بغداد وأربيل أن يدركوا مسؤوليتهم في مكافحة الإرهاب وطرد فلول حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية». ومن جهة أخرى أعلن زعيم المعارضة (حزب الشعب الجمهوري) كمال كيلجدار أوغلو تأييد حزبه للحركات العسكرية ضد المتمردين من منسوبي حزب العمال الكردستاني والمطالبة بوضع خطة طريق سياسية لإنهاء هذا التمرد الإجرامي، وأكد أن هذا الحزب الإرهابي لايمثل الأغلبية الكردية ويهدف من حركته الإرهابية الانفصالية بتشكيل حكم يساري متطرف في الولايات ذات الأكثرية الكردية وتهديد وحدة الدولة التركية! الدستور التركي الحالي أعده وأعلنه زعيم الانقلاب العسكري الجنرال كنعان أفرين عام 1980م، لتبرير قيام الجيش بالاستيلاء على السلطة وضمنوه مواد تجعل من المؤسسة العسكرية الرقيب الوطني لتنفيذ المبادئ السياسية لجمهورية مصطفى كمال أتاتورك المرتكزة على ديمقراطية العلمانية ومحاربة الرجعية الفكرية والاتجاه نحو الفكر الأيديولوجي الأتاتوركي المتجه نحو النظريات السياسية الغربية وقد وضع هذا الدستور العسكري بالروح والصيغة (المجتمع التركي تحت حدود قاسية) لايمكن تخطيها وبالذات تهديد الأحزاب السياسية بالمحكمة الدستورية بتوقيفها عن العمل السياسي وإغلاق فروعها في المحافظات ومحاكمة زعمائها (إن خالفوا المبادئ الكمالية العلمانية) وقد تعرضت الحركة الإسلامية لإخراجها من الحياة السياسية بحجة مخالفتها لهذه المبادئ العلمانية. ويأتي الدستور الجديد ملائماً لرغبات الشعب التركي في تحقيق الحرية والعدالة وتركيز الديمقراطية السياسية وحرية الأحزاب وفصل السلطات الثلاث (التنفيذية - التشريعية - القضائية) وإلغاء المحكمة الدستورية ومنح مجلس الشورى سلطات دستورية قضائية واسعة للرقابة على السلطة التنفيذية ومحاربة الفساد الإداري والمالي والمادة الجديدة الأهم تحويل النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ويصبح رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة التنفيذية ويلغى منصب رئيس الوزراء وينتخب رئيس الدولة مباشرة من الشعب واعتماد النظم الإدارية لتشكيل الأقاليم الإدارية والتي يؤيدها السياسيون الأكراد لنيل شكل مشابه للحكم الذاتي للمنطقة الكردية وتكون خطوة متقدمة لنيل حقوقهم السياسية والثقافية. هموم قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم عديدة في هذه المرحلة يخففها دعم المعارضة في صياغة مواد الدستور الجديد ومجابهة حزب العمال الكردستاني الإرهابي عسكرياً! * هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية