* عبد الله باهيثم * 98 صفحة من القطع المتوسط. من الصعب بمكان أن نملك القدرة وقوفاً على الماء دون أن نُجهد ونبحث لنا عن مخرج تكون اليابسة حصن أمانة.. وداخل بنيانه.. وبين شطآنه.. بعيداً عن الماء والوقوف فيه فاتحنا الشعر بمقطوعته الشعرية الفنية (سنة قادمة) قلت نسير.. وحين تباعدني الأقربون نثرت على الرمض بعض دمي.. ومشيت.. حسناً استبقيت بعض دمك لصالح الأبعدين إن هم كفوكَ شرهم ورحلوا عن طريقك كي لا تراهم.. تركتهموا واقفين على شغف الفجر قلت: غدا سيشق المحار.. (تزف الموانئ).. قال الحميمون: ان احتقان الظلام هناك على بعد ملحمة من نهار.. أخشى عليك من وحدة ووحشة الزمان والمكان والسكان لجوءاً إلى الحيوان كذلك الشاعر الذي ضاق ذرعاً بأهله وقال بيته اليائس البائس: عوى الذئب فاستأنست للذئب اذ عوى وصوّت إنسان فكدت أطير من الفزع.. * * * نذير.. فتى قيل لا يشبه إخوته عصبة قانعون وذا مدلج بالتوجس يزعم ان الصعاليك قد ضربوا موعدا للصباح موعد مخيف.. الليل يظل ليلاً دون صباح أفضل * * * من أكون أنا؟! حلم قيل أمك راودها النخل إذ حملتك فأبدُلتَ ارث البكاء.. البكاء حتمي ساعة تولد حياً إنه مظهر عافية.. أما النخيل ومراودته فإنه لا يخيف.. إنه عطاء.. وثمر.. وبقاء.. ألم تعاقر التراب وقد جئت منه؟ وتشاطر الظمأ الأزلي لأنه معاناة قي.. دعه يلعق جبهتك الممطرة كي يفل يفل عطشك.. ويخصب حقلك وفي عقلك نكهة مزهرة يستطيب بها وجودك. محطتنا الثانية السفر.. ونحن معه في رحلة سفر لذيذة: تجيئينَ.. لمِّي بقاياي. ولنمض مشتمل بالقصائد هذا الفضاء ومازال في اللوح وشم لذاكرتي وصباح موارب سوف نودع أفقاً من الشعر هذي المخافة ثم نوقد أغنية - موعداً للذي تستحيل المفاوز نخلا على بابه ثم نوغل في الشرق حتى تضيء المسافة سعي محمود وقد لممت بقاياك على مجيئها على وقع قصائد عبر فضائك الرحب.. أما النخل يا شاعرنا فله أرضه التي تستجيب لشموخه.. عد إلى الشرق وستجني الرطب الجني داخل أرضك.. ومأمن عرضك.. وعنيت.. غنيت.. أيها الواقفون على مشرق الغيب شدوا على أفق هذي التلال النشيد فأقسم أن الذي تناءى به العين في العين مازال مشتجرا بالحديد.. الغناء غنى وثروة تخصب التلال.. وتمرح السهول.. إنه صوت ربيع.. وأغرودة طير.. ونشيد فرح.. (العطش).. محطة شاعرنا باهيثم.. سوف اذكر أني تشظيت مثل حداء العصافير ما بين قصف الشتاء وبين الغسق فإذا وطن من ورق واذا مُدن. ومزابل والناس في العربات يخوضون والشارع القفر كان على أهبة الركض حين بلغناه لكنه اختار بوابة. وافترق.. أنت محظوظ.. فلا الشتاء بقصفه.. ولا الغسق بظلامه أوقف زقزقتك وأنت تواجه الصخب. والزحام.. والعوام.. أما الشارع فدعه يركض ان استطاع.. حسناً اختار بوابة غير بابك إلى غير عودة!! لا تخف في قبور الصعاليك يحدث أن يرفأ اللحم شق تراب وينبت بين كفوف اللصوص المصبَّرة الشاي، والتبغ والأرغفة ويفر الصباح إلى الأرصفة حسنا أنت ابن عالم مليء بالعبر، والمعجزات (!!) كل شيء فيه يجوز.. حتى العجوز تصبح فتاة هيفاء.. أبدع عن اللصوص.. دع شايهم.. وتبغهم. وأرغفتهم لهم انها مختطفة.. واتخذ من الأرصفة الصباحية مسلكاً لك كي لا تزل.. وتضل.. (سؤال) نقف عنده بحثاً عن جواب مُقِنع.. أو حتى مقَنَّع.. سيان.. .. تراهن.. كلا لم يبق إلا التراب وهذا المدجج حلماً يخاتل قلبي ويركض صوبي ويصعد في بدني ثم يشرع في زمني ألف باب.! مدجج! مخاتل! يلاحق ويصعد في بدنك.. ويفتح لك أبواب تيه لا تدري أيها يوصل.. احذره إنه أشبه بشيطان.. أو بسلطان جائر..! (الدم الأخير) فصل جديد من فصول الوقوف على الماء.. قُتل.. يا حزن البطل واجفل النشيد.. فقمت مقطع يقطع القلب.. بدايته قتل.. ومنتصفه جفل.. ونهايته يقظة فزع.. سفر أشهد انه طاعن هذا الذي كنته البارحة ثم ها. انه يستطيل.. يستطيل - ما يزال - كي تكونه الأبد سفر ما قبل النهاية.. وما بعد النهاية.. الأولى سفر مرحلي.. الثاني أبدي لأنه سفر روح بلا جسد وبلا نهاية.. (حدس) واحدة من محطات الرحلة: وكنت ألوذ ما بيني. وبيني ببعض هوى تغرب ثم عادا على مهل، وحط على شفافي ونقرَّ انه سجى الليل الفؤادا فملت لعلني أصغي. فأومى إلىَّ. من الأماكن ثم نادى: - أتوجس؟ قلت: بَرد الحزن حتى انطفأت وحلتُ عن بعضي رمادا مقطوعة رائعة افتقدناك في شعر شاعرنا مليئة بالصور والمعاني التأملية.. الحب في حياته يتجدد ما بين الحين والحين.. ولأن الحب الحياة بما فيها من سعادة وحزن.. ولأن الحياة إرادة قاتلة على قهر الحزن وإطفاء جذوته وإحالة وخلت كأنني أضغاث همي وخوف جُن أو شك تمادى فمد راحتيه على جبيني وقمت. فقال لي: اضمرْ بلادا وأودعني سمات الوقت حتى أحال فضاء ذاكرتي مدادا بهذا الشحن الشعوري الفارق في أخيلته ومتاهاته أفصح شاعرنا عن معاناة اللحظة وما تفضي إليه من نهاية تتأرجح محصلتها بين العذوبة والعذاب.. لنستمع إليه فأضمرت الشوارع وهي تعدو وأطلقت الأعنة والجيادا وأشرعت المدى لصهيل حدسي فضج الأفق حين هوى ومادا إلى أن يقول: وعدت ألوذ ما بيني وبيني ببعض هوى تغرّب ثم عادا عاد الماء إلى مجراه.. والطائر إلى أيكه.. والمسافر إلى أهله.. شوارعه بقيت مكانها.. وصهيل حدس شاعرنا يملأ ساحة السباق سبقاً ومؤانسة.. فلا خوف جُنّ.. ولا شكَ تمادى.. هكذا ألعوبة الحياة إنها أحياناً ضاحكة وأخرى مضحكة.. (قراءة) لنقرأها سويا مع شاعرنا باهيثم: كان قبل ان تجيء يا صديقي الأخير قبل أن تنز قطرة كبيرة من العرق وتستحيل أنهرا من الغناء ويفرق الذين يهتفون للعرق يجيء أطفال/ دمى ويستبد بالحزن النبيل فائض الورق السؤال هنا كيف كانت الحال قبل أن يأتي.. بعد أن جاء عُرفت الحكاية.. لعب. ولعب. وتعب.. «ثلاثية الغلاء ذات مقاطع ثلاثة لا رابع لها» حسناً.. ليس للبيع.. قلت له: وطفقت أسوِّي العمامة (كم كان رأسي كبيرا) كان كبيراً بها.. بدونها لا شيء لأنها غالية.. حتى ولو كان في عبقرية أفلاطون.. (هندسة) لا زوايا ولا مكعبات ولا مستطيلات ولا مربعات بها.. إنها بضع أبيات تهرش لها شعيرات رأسك. كان بيني. وبينك أن نحتسي قدحين معا ونعدل خارطة الكون! فالكون في آخر الليل لا يستوي لنعدَّ له قدحا.. ولنا فرحا ريثما يرتوي عالم آخر الليل يحلمون بما يحتسون.. لا تعنيهم خارطة الكون.. ولا خريطة الطريق.. حتى لو أعد لها مائة قدح وقدح.. وارتوت.. الكون ثابت.. والرؤوس هي التي ستتغير حين تفيق إلى نفسها.. هذه المرة مع الطفولة.. كي هي عذبة.. ومعذبة أحياناً: كان مزدحماً.. ربما بالأماني الصغيرة مضطرباً.. نصف يحكي.. ونصف يقبلني جالساً فوق حجري.. بل واقفا بين حدسي. وعمري حتى إذا قلت: أخشى.. قاطعني: مم تخجل؟! أسئلة: ماذا تريد؟ ويطرق: - ماذا تريد؟! ويضحك: ماذا؟ - وحقك ليس سوى أن يفز طليقا وان ينظر الناس ملء عينيه.. في وسع أعينهم ضاحكا. وصديقا.. هكذا يتحرك الصغير وبراءة الأطفال وسذاجتهم في عينيه.. لا يهمه ماذا تقول.. ولا حتى ما يقوله.. إنه يعيش حلماً لم ينضح بعد.. وعلماً لا يعرف عنه شيئاً.. تتساوى في عينيه دمعة فرح.. ودمعة ترح.. إنه يبكي.. ولا يعرف لماذا يبكي.. هكذا يرد سؤالك بمثله.. وجوابك بمثله قبل أن يترعرع ويشب على الطوق. حينها يملأ ما حوله صخباً وضجيجا لأنه كبر. واستوى على عوده.. شكراً لشاعرنا عبد الله باهيثم وقد أخذنا في رحلة شيقة معه وقوفاً تحت الماء دون بلل لأننا لم نقف..