"القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    عاجل.. القرار النهائي بشأن مباراة السعودية والإمارات    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    طقس شتوي وأمطار تنعش إجازة نهاية الأسبوع في جيزان    الأولمبياد الخاص السعودي يقيم المسابقة الوطنية لكرة السلة    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    الفتح يتعادل مع النصر وديًا بهدفين لمثلهما    السعودية تستضيف كأس السوبر الإيطالي    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    Center3 إحدى شركات مجموعة stc وهيوماين توقعان شراكة لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي بسعة تشغيلية تصل إلى 1 غيغاوات في المملكة    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل مفتي جمهورية رواندا    برعاية سمو محافظ الأحساء.. افتتاح الفرع الثاني لجمعية الرؤية التعاونية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية النيجر رئيس الدولة بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باللغة العربية في يومها العالمي    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    برعاية أمير المدينة.. اختتام مسابقة "مشكاة البصيرة" لحفظ الوحيين    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    جناح إمارة الرياض يوثق محطات تاريخية للملك سلمان    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    ارتفاع أسعار النفط    إلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة: خطوة استراتيجية لتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية    الإحصاء: ارتفاع عدد المراكز اللوجستية إلى 23 مركزا في 2024م    مرتفعات تروجينا وجبل اللوز تشهد تساقط الثلوج وهطول الأمطار    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    ندوات معرفية بمعرض جدة للكتاب تناقش الإدارة الحديثة والإبداع الأدبي    احتجاز الآلاف و70 من طواقم صحية بجنوب دارفور «الصحة العالمية» تطالب بالإفراج الآمن وغير المشروط    في الشباك    من سرق المصرف الإنجليزي؟    هل الإنسانُ مُختَرَق؟    نعمة الذرية    سورية: مقتل شخص واعتقال ثمانية بعملية أمنية ضد خلية ل«داعش»    موسم الشتاء.. رؤية طبية ونصائح عملية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يشخص أورام الرئة عبر تقنية تنظير القصبات الهوائية بالأشعة الصوتية EBUS    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    تعزيزاً لمكتسبات رؤية 2030.. المملكة مقراً إقليمياً لبرنامج قدرات المنافسة    «الأسير» يعيد هند عاكف بعد غياب 16 عاماً    خالد عبدالرحمن يصدح في «مخاوي الليل»    الكلية التقنية بجدة تنتزع لقب بطولة النخبة الشاطئية للكرة الطائرة 2025    تعول على موسكو لمنع جولة تصعيد جديدة.. طهران تعيد تموضعها الصاروخي    900 مليون لتمويل الاستثمار الزراعي    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    الاتحاد العربي يستعرض مسيرة 50 عاماً في معرض بالدوحة    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    رئيس الأكاديمية الأولمبية السعودية "بن جلوي"يشهد تكريم خريجي دبلوم الدراسات الأولمبية    حنان الغطيمل تحصد جائزة عالمية وضمن 100 قيادية    تفوق رقمي للأفلام مقابل رسوخ محلي للكتب والمكتبات    أمسية شعرية سعودية مصرية في معرض جدة للكتاب 2025    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    موسكو ومسارات السلام: بين التصعيد العسكري والبعد النووي للتسوية    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في تجربة باهيثم الشعرية
قلق التشظي ونبض السؤال
نشر في الرياض يوم 20 - 11 - 2008

ستتوقف في تتمة هذه القراءة لديوان باهثيم أمام عنصرين بارزين هما:
(1) استثمار فضاء السؤال:
في تجربة باهيثم، تأتي الرؤية الشعرية ساعية إلى الالئتام مع المتلقي، فهي لا تتعالى عليه، تترك له حرية التأمل وتفتح له منافذها، وتترك له إشارات يلتئم معها تذكراً، أو تداعياً في الكلام، أو انفعالياً. يقابل باهيثم متلقيه ومتأمل تجربته، وكأنه شريكه في الإبداع والرؤية، لا يقدم له التجربة جاهزة، بل يفتح له منافذ السؤال، يجسده منتصباً بواقعيته ومرارته وألمه على أفق الواقع، فيكثر في نصه السؤال، بل هو مكتنز رؤيته الشعرية، ومنبعها. وما دليل ذلك إلا في تتويج نصوصه بنصين للسؤال، أحدهما بعنوان: سؤال، والثاني بعنوان: السؤال، لنتصل بنصه (سؤال)، ولننظر، كيف يفتح السؤال قتامة الواقع، ويحمل مرارة الإنكار، يقول باهيثم:
تراهن؟
@ كلا.. فلم يبق إلا التراب،
وهذا المدجج حلماً
يخاتل قلبي، ويركض صوبي،
ويصعد في بدني،
ثم يشرع من زمني ألف باب.
- تبيع إذن؟
@ في مزاد الظهيرة - إن كان لا بد -،
حين يبكر فوج السماسرة، المرتشون، المرابون، والرفقاء القدامى.. و- تسألهم: كيف باعوا!!
بلى.. كيف "قل مثلاً" هذه الطوبة ال (شربت) من دمي كي تماس،
والسقف هذا الذي أتصفحه قشة قشة مذ أتيت إلى كل هذا الفراغ..
- إذن.. تستفئ يدي حين لا ظل..
يقترب الشاعر من القارئ، يقترب، يحدثه كأنه يستمع إليه وينظر، فتشير علامة الاستفهام بعد (تراهن) إلى ضرورة نطق يناسبها، مما يجعل المتلقي كأنه أمام حضرة الشاعر، وهو يخاطب ذلك المخاطب الذي يعانيه، وينكر عليه، لكن المراهنة على ضيق ما تراهن عليه، تبقي أملاً قوياً، وهذا ما تراهن عليه رؤية باهيثم حين تراهن على قوة الذات، وعدم رضوخها، ماثلة في هذا الحلم الذي يقي الذات عثرة الانكسار، ويفتح في الزمن الرديء ألف باب وباب..
ويقوم السؤال التالي ممتلئاً بالمرارة، مستحضراً عمق الخيانة والمتاجرة بالأرض والمقومات، ومؤكداً على قيم المدينة الدنيئة التي تغتال قيم الإنسان وتجرده من مبادئه، على نحو ما يمثل في هذه الطوائف التي ذكرها ضاما إليها (الرفقاء القدامى)، في دلالة إلى فساد ما حول الذات، وتبقى الإجابة بعد سؤال البيع المر، راسمة الأمل، الذي يلتحم بالذات، يستحضر فعلها، وتمسكها بمقومات الوجود، فالطوبة من الدم، والسقف يظله، مما يجعل سؤاله لرفيقه عن وجهه الذي يصطبغ بوجهه ويصبح جزءاً منه، راسماً لزمن كينونة جديد، وإن كانت هذه الكينونة تظل في دائرة السؤال والاحتمال، حيث يقول في آخر النص:
لا تهن واطمئن..
- فإذن معنا..
@ وأكون أنا؟!
والسؤال عند باهيثم فعل يصاحب من يلتئم معهم من تشظيه، ويظل خزانة طاقة فاعلة تضيء الوجود، وتلعن الهزيمة، يقول في نص يخاطب فيه محمد العلي:
يداك
يد في المدى تستطيل،
وأخرى مخبأة
بينها والسيوف الكمينة
أسئلة، ودماء.
تأتي الأسئلة، مخبأة مع رموز الفعل الحاسم: (السيوف والدماء).
وفي نص بعنوان (السؤال)، يأتي السؤال معرفاً ب (ال)، وكأن باهيثم استشعر حضور السؤال في تجربته، وانعقاد العلاقة بينه وبين المتلقي عليه، فجاء به للعهد الذي بينه وبين المتلقي على دائرة السؤال، والانفتاح على احتمالاته، يقول النص، في مطلعه:
تذكرت..
أني نسيتك،
حين ألفت النساء الخليات،
والزمن المتشابه والخوف.
عيناي مطفأتان،
وها إنني الآن منكفئ بين سطرين:
- غادرة سكرة البارحة.
قلت أكتب أن كان هذا المساء مريباً.
ولكنني الآن منطفئ لست أعرف
أي اليقينين أدخل:-
هذا السواد المتاخم!!،
أم حلماً يتوسد قارعة الانتظار؟
يأتي السؤال ليبني ذهنية النص، فيصبح النص متحركاً على مفارقة الرتابة والسدر، متشظياً عنها، وساعياً إلى البحث عن فضاء الالتئام، فهذه التي يستذكرها ليست كأولئك اللاتي اصطبغت حياتهن بالتسلية، وخلين من الهموم، وأصبحن في التئام مع الزمن الرديء، وعلى الرغم من التئام الذات مع هذا الزمن انطفاء ومجاراة، في الغياب عن اليقظة والنسيان، إلا أن قلق التشظي، وإفاقة الكتابة تراوده، وتخرجه من ذلك الالئتام مع الرتابة، إلى طلب فعل يبحث عن الفعل الحيوي، وفضاء التأمل، يطامن الكتابة، لكنه لا يستسلم للحظتها، بل يخاطبنا عن كيفية الكتابة، لأنه يقظ بالسؤال، وملتئم مع قلق التشظي، فلا يقين، إلا يقين السواد، وحلم الانتظار، وهو هنا يستثمر التورية، فسواد الكتابة يستدعي سواد الزمن، ليكون الخيار بين الكتابة والاستسلام للحظة استلاماً لحلم منتظر، ولذلك تكون هذه اللحظة مليئة بالقلق والضجر، يقول بعد ذلك في معايشة لهذه الذهنية التي اصطبغ بها النص:
تعبت،
وبينهما كالفراغ الذي بيننا (ريبة)،
والسؤال:
دم لا يزال على قدم السفك يجري
ويمناي من ظمأ وعروق
نعم؛ السؤال ينتصب دماً، والذات منهكة، والتعب سمة الموقف، الذي انفتح على بوابة السؤال القاسي، والفراغ المملوء بالريبة.
(2) استثمار الحكاية:
في دراسات سابقة لي أكدت على مسألة الحكاية بالنسبة للإنسان، وأن الإنسان كائن حكائي، وأن الوجود الإنساني يقوم على الحكاية، ويظل يستقبل بها، ومن هذا الباب كانت التجربة الإنسانية الشعرية، تسير في هذا الأفق، وتستثمره، فبفضاء الحكاية إنشاء وتلقياً، تتحرك لغة الشعر، وتخلق مساربها التي تتحرك فيها، وقد استثمر باهيثم ذلك استثماراً واضحاً، فكثيراً ما يلقي إليك بحاله، وهو يستذكر، أو يكتب، أو يحادث صاحبه، وكثيراً ما يقيم رموزاً يشكلها للحكاية وبها، ومن ذلك قوله:
سأذكر..
كنا وقوفاً على الماء -
لم نكن غيرنا - أو نكون - انتسبنا إلى البيد
وانتسبت للهديل الجراحات
شفنا البيوت تناول أسقفها الريح والهممات
الشريدة
بين الحوانيت والسوقة المتعبين.
نحن هنا أمام حكاية، تظهر تشكيل العالم الذي يلتئم فيه الشاعر مع صنوه الذي يتحدث عنه، يبدأ بالتذكر، وتبدأ الحكاية، بحديث عن عالم رامز للحال، لا يمكن أن يكون، ولكنه التعبير الشعري، الذي استحضر الماء والوقوف عليه، مظهراً القلق، وداخلاً بنا في مساحة من التخيل، تجعلنا نشهد التوتر بين الواقفين، ومكان الوقوف، فالوقوف بمكان سائل، وهم واقفون، لا يريدون الخنوع والاستسلام، فهم لا يجرفهم السيل، ولا يغرقهم الفعل الكاسد، تنقذهم الوقفة، وتنتشلهم الإرادة. وتوازي هذه الحكاية حكاية أخرى تضيئها، تمثل، في أولئك المغايرين أو هؤلاء، حين لا يستطيعون السباحة في الماء، وتحقيق إرادتهم فيه، حين يظلون في حال استدعاء الجراح والحزن، وانتساب إلى البيد، فتنداح في الذهن حالة مواجهة الطوفان، لتمثل في هذا العالم سرديات الحكاية وعوالمها، فنستمع إلى أولئك الرهط الذين يقولون:
إن البلاد مغادرة
فإذا جف ماء تهامة لموا عن القاع سوأتها
واضربوا في المسالك حتى يلوح الخليج
هكذا تستدعى الحكاية، وتستدعى حالة الأزمة، وحالة الخروج من المأزق، لتتجلى النبوءة والحكمة.
وفي نص (الدم الأخير)، يأتي النص في صفحته الأولى هكذا:
(ثم لم يمت.. فعاد مغضباً!!)
(قتل.. ... يا حزنه البطل)
وأجفل النشيد!!
فقمتُ.
@@@
كانت الساعة لا تستوي الدهر..
@@@
قد من جبين ذلك الزمان النادر بعضك الغريق
فلو منحته يدك!
هنا نجد أنفسنا أمام مستويات للحكاية، فمستوى في ذلك النثر المقوس قبل بدء النص الشعري، ومستوى في الجملة الأولى المقوسة، ثم ما ارتبط من اقتران الذات بذلك الحال، ليقوم حسها التنبئوي، بعد أن تشكلت من ذلك الوجود الحيوي للشهيد، ليحاوره، ويستنطق أجزاءه في النص ويحاورها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.