(فادحة فَقْدنا لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود تقبَّله الله بواسع رحمته فاجعة كبيرة على أبناء هذا الشعب، وعلى الأمَّتين العربية والإسلامية مع همومه للإنسانية، وأما بالنسبة لي فهي أفدح من فقد الوالد والأخ والولد؛ لأنني مُطَوَّقٌ بإحسانه منذ عام 1383ه، وما أظن أن بيتاً في هذه المملكة (القارَّة) يَخْلو من رِفْده وإحسانه؛ فهذا قضى دينه، وهذا أَمَّنَ له سكناً، وهذا تولى علاجه داخل المملكة وخارجها.. والحديث عن سُموِّه رحمه الله تعالى لا يفي بقليل من حقه سوى مقالة فنية يضبطها الفكر؛ فآثرت عَفْوَ الخاطر ولستُ بشاعر.. لستُ كالجواهري يغرف من بحر، وإنني لأعْجَزُ مِن أنْ أنحت من صخر، ولكنَّ جيشان الوجدان يُسْعف ببعض الإضاءة؛ ولما أحصرتني الفاجعة، وتفلتت مني القافية تنقَّلْتُ من لحنٍ إلى لحن، ومن قافية إلى قافية؛ فاقتضب هذا الدويوينُ بعض أشجاني). * * * ما مثلُ فادحٍ غشانا فادحٌ ثاني حَرُّ المصائب ينطفي بنسيانِ (1) هيهاتَ ننساك يا إنسانَ أعيننا هيهات ينسى الربيعُ سَحَّ هَتَّان (2) هيهات نَنْساك يا تيجانَ سُمْعَتِنا يهتزُّ مَحْضَرُها بِذكْرِ سلطان تلك القلوب عُروشٌ فَوْقَها مَلِكٌ لمَّا تَعَرَّشْتَها بلطفِ إحسان لا تعجبوا إنَّ وَقْدَ الحبِّ مملكةٌ يَعْيَا بواجِبها كسرى بإيوان وَارَوْكَ والدمعُ يجري مِن مَحاجِرهمْ مُسْتَبْشِرينَ بجنَّاتٍ ورضْوانِ تَرْنو إلى لَحْدِهِ عيونُهم عَجَبَاً أين المُطِلُّ حُنُوّ ْاً فوقَ كِيوانِ (3) شيخُ السياسة إن عَضَّتْ نوائبُها يَحُلُّها ألْمَعِيَّاً غيرَ وسنانِ أَلَيْسَ لِلْمُلْكِ ساعداً مَدَى حِقَبٍ مُحنَّكُ الرأي لا نِكسٌ ولا واني (4) سَمْحٌ مَهِيبٌ بلا ضَعْفٍ ولا بَطَرٍ غَوْثُ الضعيفِ وَنَزْعُ الروحِ للشاني(5) جَمُّ التواضُع شهمٌ ليِّنٌ فَطِنٌ طَبْعٌ شَهيٌّ شذاه نَفْحُ ريحانِ خَمْسٌ عِجافٌ قضيناها على أَلَمٍ يَنْتابُنا اليأسُ والرجاءُ في آنٍ (6) ما للقوافي عَصِيَّاتٌ تُعاندني حتى تضاءلتُ في ديوان أحزاني * * * يا موكبَ التَّشييعِ قِفْ تَمهُّلا وراءَكمْ فيما أرى كلُّ الورى يَبْغونَ تقبيلَ الجبينِ النَّيِّرِ عربونَ حُبٍّ صادقٍ رَشْحَ الوفا يَسْتَنْشِقُون فَوْحَ طُهْرٍ عَنْبَرِيّ ْ قَبْلَ الأليمِ مِن مُوَاراةِ الثَّرى يُطفي حَراراتِ الشعورِ المُكْتَوِي مِنْ فَقْدِهِ يَشْفي غليلاً من صَدى (7) * * * يا وزيرَ الحرب تخطو ثاقبَ الرأي تُدِيرُ أَمْنَ شعبٍ مُسْتَقِرٍّ حَوْلَهُ عُنْفٌ مُغِيرُ فيلسوفاً للسلامِ وَهْوَ عند القومِ زورُ لستَ بالمغبون وَعْياً إذْ رَحَى كيدٍ تَدورُ جَلَّ باريهِ حصيفاً والهُدَى مَحْضاً عسيرُ مُلْهِماً مُسْتَلْهِميهِ إِنْ عَنَى شأنٌ خطيرُ إنَّ للفكر سِهاماً راشَها حَيْرَى تخورُ (8) كلُّ خطبٍ مُدْلَهِمٍّ لِلنُّهى منهُ سفيرُ يَعْزُبُ العقل ويَعْمَى عَنْهُ والرأيُ فطيرُ كمْ يُجَلِّيهِ بِيُسْرٍ والحجى جمٌّ خميرُ (9) نَوَّرَ اللهُ أديماً أَسْفَرَتْ منه البدور * * * أيُّ شيئٍ للقوافي ركَّستني في ثبورِ كلَّما جاش شعوري لم تُعِنِّي بالنفير * * * خَمْسٌ عجافٌ قضيناها على وَجَلٍ تَغْتالنا بين إزْهارٍ وإصحارِ ذكراكَ ذِكرَى فلاةٍ أجدَبتْ حِقَباً يا غيثَها هل لها تحيا بتذْكارِ أَجَلْ فَلِلطَّير في جثجاثها نشبٌ كما لذي الوَجْد في دوارس الدار فذاك يبكي بألحانٍ يُرتِّلُها وذا يبثُّ الجوى مِن مَدْمَعٍ جاري أوْلَيْتها بسمةً فاخْضَلَّ نَرْجَسُها تختال مِن عَبَقٍ وَشَدْوِ أطيار * * * يا موكباً يُرْخِي الخُطى تجلَّدوا فكلُّنا أبناءُ أَعْراقِ الثرى وأ بْشروا فقيدنا مُمَدَّحٌ أبْقى لكمْ خصالَ خيرٍ تُشْترى تلك الأكُفُّ بالدعاء تَضْرَعُ أَشْهادُ ما يُحِبُّه ربُّ الورى * * * رَفَّتْ بواسِقُهُ فجاش (م) الوَجْدُ يغلي بالسعيرِ حُقَّ الرحيلُ فزادني علماً بمنقطِعِ النظيرِ قولٌ نُردِّده وسرُّ (م) بيانه تحت الستورِ خمسٌ مضتْ أرهفتُ فيها (م) السمع مغمورَ الشعورِ متَلَهِّفاً فلربما يأتي السرورُ من البشيرِ لكنَّه صوت النعيِّ (م) بوقْعِ قاصمةِ الظُّهورِ تالله ما سخط الأُلى تدبيرَ خالقِهِ القديرِ لكنها لوعاتُ حزنٍ (م م) جَرَّعتنا بالمريرِ وَلَكَمْ فُدِحنا فاصطبرنا (م م) مثلَ تَلْهِية الغريرِ لا بدَّ من طول الضَّنى مُتَأجِّجاً وَسْطَ الصدور هيهات بعدك قُدْرةٌ ما دُمْتَ فاجعةَ الدهورِ هيهات بعدك سلوةٌ هيهات بعدك من نظيرِ * * * هذا أَوَانُ النَّشْرِ للمحامِدِ مَنْ لم يُذِعْ جميلَهُ فَلْيُثْلبِ كم مِن مديحٍ يُزْدَرَى في المَشْهَدِ والصدقُ كلُّ الصدقِ بَثُّ المَنْدَبِ(10) والشعر يبني قُبَّةً مِن حَبَّةٍ فَضْلُ الفقيدِ لُجَّةٌ لم تَنْضَبِ فُلُّوا صحائف الفقيدِ العَبْقَرِيْ يَطْربْ لها التاريخُ أيَّ مَطْرَبِ ويا مليكنا وقاكَ ربُّنا هذا عزائيْ حُرْقَةٌ لم تَذهبِ فيكَ العزاءُ إن وَهَتْ منا القُوى يا طودنا يا ابن النجيب المُنْجِبِ اشتَدَّ للدين الحنيفِ نُصْرَةً لمَّا رأى عُدوانَ كلِّ مُجْلِبِ دستورُكمْ شريعةٌ مطهَّرةْ تجتاحُ حالك الظلام الغيهب ما للقوافي شُرَّداً عاندْنَنِي وَمِيْضُهُنَّ وَمْضُ برقٍ خُلَّبِ * * * يا موكبَ الإشعاعِ عُدْ مُبَجَّلا إن الفقيد في حِمى ربِّ الملا زِدْتُمْ يقيناً أنه مُشَفَّعٌ أوْجَبْتمُ وَعْدَ الصدوقِ المصطفى(11) وَلُطفُ مولانا مُوَثَّقُ العُرَى أبقى لكم مليكَنا قُطْبَ الرَّحى(12) أبقى لكم أطوادَ خيرِ مُنْجِبِ أرتالَ أمجادٍ على طولِ المدى(13) يُدْلي بها التاريخُ في المحافلِ يهتزُّ نشواناً على سمع الدُّنَى(14) وبثَّ هذه الأشجان أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري -عفا الله عنه- (1) قال أبو عبدالرحمن: كلمة (ما) عندي -حُبّاً لأخي حمد القاضي- تميميةٌ معناها معنى ليس، وليس لها عملٌ إعرابي.. وما فعلتها إلا للضرورة الشعرية، وأما في سَعَةِ القول فهي على الصواب القاطع حجازية تعمل عملَ (ليس). (2) قال أبو عبدالرحمن: الهتَّان السحاب المتتابع مَطَرُه رَخِيّاً، وهل وهتن وهتل بمعنى واحد، وأظن أن اللام في الكلمتين بدل من النون في الكلمة الثالثة، وأما الطاء فهي بدل من التاء، لتقارب المخرجين.. ومع ذلك دلالةُ الجِذْر الثنائي، وهو الهاء والتاء، فكل ما توالتا عليه دالٌّ على معاني الهطول كالتتابع واختراق الأرض والأناة مثل: هتٍّ حِكاية صوت دالٍّ على معنى المُتابعة والمُداركة، وهَتَأّ الشيء بمعنى كسره، ومنها تهتَّأ الثوبُ إذا خَلُق.. والعامة في نجد تقول عن الديمة: (تُهتْهِتْ) إلا أهلَ ثرمداءَ يقولون (تبْرِم)، والمهاتاة المعاطاة من (هاتِ)، وهي متابعة.. وكذلك الهتم للكسر، والهتك للشق والهدِّ، والهتاف للصوت - وأصله الثوت الخفي-، وللمطر هُتاف، وهتع بمعنى المشي بتعثُّرٍ وبُطْءٍ؛ ولسوء الفهم لكلام الله جرى اللغويون على تفسيرها بمعنى الإقبال بسرعة، وجعلوها بمعنى (هطع)، وليس بصحيح، بل دلالة مخرج الطاء أكثر صخباً من مخرج التاء، فهطع لشدة التعثر والبطء، وقد قال تعالى في أهل النار عياذاً بالله منها {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} (43 سورة إبراهيم)، وقال تعالى {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (8 سورة القمر)، فكيف يكون مُهْطع الرأس مسرعاً، وأهل النار لا يستجيبون فرحين مُسرعين؛ وإنما يساقون ويُدعُّون دعاً وهم يجرون أنفسهم مهطعين خائفين، والعامة في نجد تستعمل هتع بمعنى التعثُّر؛ فهم على الإرث الصحيح.. ومن الجذر الثنائي هتر بمعنى هذى وتابع القول السِّيء. (3) قال أبو عبدالرحمن: كيوان من أسماء النجم (زُحَل) الذي يُضرب به المثل في رفعة الشرف وعُلُوِّ المنزلة. (4) قال أبو عبدالرحمن: النِّكْس مَنْ ينقلب على رأسه.. يُكْنى عن الانثناء في الحرب والرأي. (5) قال أبو عبدالرحمن: الشنآن البغضُ عن عداوة. (6) قال أبو عبدالرحمن: أعني خمسَ سنوات عانى منها سموه رحمه الله تعالى منذ أحسَّ بالمرض. (7) قال أبو عبدالرحمن: الصدى العطش، ومادة الصاد والدال المهملتين والحرف المعتل من أصعب المواد التي تعزُّ على الاشتقاق المعنوي. (8) قال أبو عبدالرحمن: الاستعمال العربي لراش السهم يعني تزيينه بالريش، ثم توسع المتأخرون في الاستعمال، فجعلوا فعل (راش) يعني إصلاح السهم حتى لا يطيش عند الرمي به من القوس. (9) قال أبو عبدالرحمن: العرب تحمد الرأي الخمير؛ لأنه عن أناة واستيعاب، وتفرح به عندما يقتضي المقام البداهة والرد السريع.. وتستعيذ بالله من الرأي الفطير؛ لأنه ارتجال غير مدروس. (10) قال أبو عبدالرحمن: المَنْدَب هنا منابر الرثاء مسموعاً ومقروءاً. (11) قال أبو عبدالرحمن: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوجب الجنة لمن أثنوا عليه خيراً. (12) قال أبو عبدالرحمن: قطب الرحى الحديدة في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليها الطبق الأعلى، ثم استعارته العرب للكوكب الثابت الذي تدور عليه الجدْيُ والفرقدان، ثم استعير لسيد القوم مُدير شأنهم وقائدُ الجيشِ قطبُ رحى الحرب، وكلُّ مدارٍ لشيءٍ فهو قطب. (13) قال أبو عبدالرحمن: الأرتال اسم للمتتالي على استقامة. (14) قال أبو عبدالرحمن: الدُّنى جمع دنيا، وكل قوم لهم دنياهم، وما أصاب من خطأ المتنبي في قوله: أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سَرْجُ سابحٍ وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ