مهما حاول المراقب رصد وتتبع وتقصي مسيرة المغفور له الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فلن يستطيع حصر مساهماته وإنجازاته في ميادين السياسة والاقتصاد والدفاع والخدمة المدنية والإنسانية وحماية البيئة داخل البلاد وخارجها. فهو باني القوات المسلحة السعودية الحديثة وقائدها الميداني وهو الذي قاد الدفاع عن أرض الحرمين.. عندما أوشكت على التعرُّض لغزو صدام حسين، وهجر منزله ليقود من أرض المعركة تحرير دولة الكويت. وهو أمير منطقة الرياض والوزير الذي أدار بنجاح عدة وزارات في كافة مراحل بناء الدولة. وهو الذي قاد إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية، وشارك ورأس وفودها الدبلوماسية في كثير من المحافل الدولية. كان رحمه الله رجل المهمات الصعبة، والمنفِّذ لأكثر القرارات إستراتيجية، فهو مَن دعا إلى برنامج التوازن الاقتصادي لتصبح المملكة منتجة للتقنية بدل أن كانت مستهلكة لها. وفي ميادين الخير والعطاء كان لسموَّه اليد الطولى على الصعيدين المحلي والعالمي، فأسس مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية التي هي بلا شك صرح من صروح الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، وأسس العديد من المراكز الطبية وبرامج الاتصالات التي تخدمها بتقنيات متطوّرة، وأهدى الجامعات العديد من المراكز العلمية والتقنية، وبرامجه للتربية الخاصة والدراسات الإسلامية والعربية وجراحة القلب في القطاع الطبي. وهو أول مَن أدرك حاجة شعبه الملحَّة للسكن، فأسس مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية للإسكان الخيري. ولم يفته رحمه الله معاناة المرأة الفقيرة، فأسس صندوقاً لدعم المشاريع الصغيرة للسيدات، وأياديه البيضاء السخيّة لم تتوقف يوماً عن تقديم التبرعات للجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني. لم يقتصر تحسسه للاحتياجات الإنسانية على الصعيد المحلي، بل تجاوزه إلى خارج الحدود، وما قصة تلك المرأة الإفريقية التي قرأ عنها أنها تجمع مدخرات النمل لإطعام أطفالها ببعيدة، حيث همَّ لنجدتها وأمثالها، وأسس لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة، وأنشأ العديد من مراكز العلاج للأمراض الخبيثة والمستوطنة في المغرب وكوسوفا والبحرين وأينما استنجد بمروءته ذوو الحاجة. ولم يفته رحمه الله دعم المراكز العلمية والتعليمية في الجامعات والمراكز الدولية، فقد دعم بسخاء مركز الملك عبد العزيز للدراسات والعلوم العربية والإسلامية في إيطاليا وبرنامج سلطان بن عبدالعزيز للدراسات العربية والإسلامية بجامعة بيركلي في كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وموَّل مشروع الموسوعة العربية العالمية. ما تقدم غيض من فيض إنجازات الأمير الفقيد تؤكد أنه رحمه الله ليس فقيد قيادة هذه المملكة وشعبها، ولا شعوب الخليج والعرب والمسلمين فحسب، بل هو فقيد الإنسانية جمعاء، فقد جمع في شخصه كل رموز الحكمة والعدل والحزم والنبل والكرم. لقد كان رحمه الله جامعة إنسانية شعت في أروقتها كافة العلوم الإنسانية والعسكرية والفنية والزراعية والبيئية والإدارية والسياسية. فقيد كالأمير سلطان الذي قلّدته كثير من المحافل الدولية والمؤسسات العلمية شهادات التقدير ومنحته الأوسمة، سوف تخلّده أفعاله، فمن خلف كل تلك المنجزات لم يمت ولن يموت، وسيبقى على مر السنين في ذاكرة هذا الجيل الذي عايشه والأجيال القادمة التي ستعيش في رغد منجزاته. وإن كنَّا لا نصنع التماثيل للراحلين من عظمائنا إيماناً بعقيدتنا الإسلامية، فلعلِّي اقترح في ختام هذه المفارقة اللوجستية إصدار طبعة جديدة من الريال السعودي يحمل صورته يتداولها المحبون ممَّن افتقدوه في معاملاتهم اليومية، فذلك تكريم يبقي ذكرى هذا الأمير الإنسان في عيون شعبه مثلما هو في قلوبهم.