حقيقة إن الخطب لجلل والمصاب كبير.. لقد فقدنا برحيل سلطان القلوب رجلاً من أعز وأغلى الرجال.. رجل المكارم والمواقف الإنسانية النبيلة الذي طالت أياديه البيضاء كافة ميادين التطور والعمران.. لقد كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- نموذجاً فريداً للعطاء غير المحدود.. كل من عرفه عرف عنه ذلك الوجه البشوش المتألق دائماً والباسم في كل الأوقات حتى في الظروف الصعبة والعصيبة، كان ذلك نابعاً من طبيعته ونشأته التي جبلت على التفاؤل والإيمان المطلق بقدر الله وقدره في كل الأوقات.. وقد تجلى هذا الإيمان العميق في أروع صوره عندما كان - يرحمه الله - يعاني آلام المرض ويقاومه بابتسامة عذبة صافية، يريد من خلالها إرسال رسالة طمأنينة لإخوانه وأبنائه ومحبيه أنه بخير وعافية. لقد امتلك - رحمه الله - من الحكمة ما أهله لأن يكون سياسياً من طراز فريد حظي بكل الاحترام والتقدير من قبل كل من عرفوه من زعماء العالم.. ظل يعمل وبلا كلل طوال أكثر من ستة عقود في خدمة دينه ووطنه.. قدم الكثير والكثير مما لا يحصى من الخدمات الإنسانية للمحتاجين داخل وخارج الوطن، ومن ثم كان الحزن والألم عميقاً على فراقه في الداخل والخارج.. إن الأكف التي ارتفعت تدعو الله سبحانه وتعالى بالرحمة والمغفرة لسموه في كل ركن من أركان الوطن لهي خير شاهدٍ ودليل على ما كان ينعم به - طيب الله ثراه - من محبة حقيقية زرعها وسقاها بأقواله وكلماته الرقيقة العطوفة، وأعماله الإنسانية الجليلة. نال ثقة والده الملك المؤسس رحمه الله في سن مبكرة من حياته كما نال ثقة إخوانه الملوك في كل ما أوكل إليه من مهام ومسؤوليات عظام، فكان لحنكته وبصيرته أبلغ الأثر فيما شهدته وتشهده المملكة من حركة تحديث وتطوير وتنمية شملت كافة مناحي الحياة، لقد استطاع وبعمل دؤوب تطوير القدرات الدفاعية والعسكرية للمملكة، حتى غدت القوات المسلحة السعودية بكل فروعها واحدة من أبرز جيوش المنطقة تطوراً، وأصبحت قواعد لتنمية الإنسان السعودي، وأسس - رحمه الله - للتوازن الاقتصادي لتوطين التقنية وتوفير الوظائف لأبناء الوطن، وكانت بصمته الإدارية واضحة في كل منجز.. وكان داعماً وبلا حدود للعلم والبحوث والمنح الدراسية والموسوعات العلمية والتاريخية والجامعات المتقدمة. رحم الله فقيد الوطن والإنسانية سلطان بن عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته وجزاه عنا كل الخير على خدماته الجليلة لدينه ووطنه وعالمه العربي والإسلامي..