ودعت المملكة العربية السعودية، وودع العالم أجمع، صاحب القلب الكبير, والحب الصادق، سمو الأمير (سلطان بن عبد العزيز)، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام. رحمه الله رحمة واسعة، وجعل مثواه جنة النعيم. آمين يا رب العالمين. الرجال الكبار في محيطهم، والمؤثرون في مجتمعاتهم، لا يحوزون رضا الناس واحترامهم؛ بجاههم أو مالهم فحسب، وإنما بمشاعرهم الطيبة، وبأحاسيسهم الإنسانية المرهفة، فهي منبع الثقة والاحترام المتبادل، وما يعكسه سلوكهم، من تواضع، وود، وحب، وقرب، وعناية بهموم الآخرين، هو الذي يمهد طريقهم إلى قلوب محبيهم. سمو الأمير سلطان - غفر الله له- كان واحداً من أنبل النبلاء، وأكبر الأمراء، وأجزل الكرماء، وأجود الأجواد في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية. لو لم يلق (سلطان بن عبد العزيز) الناس إلا ببسمته السلطانية الدائمة تلك، الذي اشتهر بها وعرفت به طيلة حياته، لكفاه ذلك نبلاً وكرماً وخلقاً. لم أرَ سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز في حياتي كلها، ولا في المناسبات الكثيرة التي كنت ألتقيه فيها في زمرة الإعلاميين، إلا وهو طلق المحيا، باشاً هاشاً باسماً. تشعرك بسمته التي تعلو محياه، بالدفء والعطف والود والمحبة. كيف لا، وهو سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الفارس الهمام، والعربي المسلم، الذي نشأ وتربى في مدرسة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وفي بيئة دينية نقية، على نهج المصطفى- صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه- فرسولنا العربي الهادي، هو معلم الأخلاق الأول، فقد ورد عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتسم في وجهي). وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجود أبش). أي جواداً كريماً، وبشوشاً مبتسماً. وعنه- صلى الله عليه وسلم- قال: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة). كان الفقيد الكبير رحمه الله، ودوداً رحيماً، ومحباً صادقاً، أفعاله تسبق أقواله، ومكارمه وفضائله، تعكس شخصيته المحبة للخير والسلام، فكم من محتاج كفاه، وفقير أغناه، ومريض خفف عنه، ومظلوم أنصفه، وأطفال وأرامل، أعلى من شأنهم، ورفع من قدرهم. سمح إذا سئل، جزل إذا أعطى: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله هذا هو سلطان الخير، صاحب منظومة المؤسسات الخيرية التي عمت وطنه، وشملت مجتمعه، وفاضت بخيرها إلى قارات العالم أجمع: تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض.. لم تطعه أنامله * بسمة سلطان، تعني في حياته- رحمه الله- الشيء الكثير. تعني حِلم سلطان، وتعني بساطته في التعامل مع الآخرين، وتعني كرمه وجوده، وتعني بسطة كفه، الذي لا يعرف الكف عن العطاء: ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها، فليتق الله سائله * كان رحمه الله، جواداً.. بل هو أجود الأجواد. إذا كان الجواد- كما قال بذلك الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه- (هو الذي لو كانت الدنيا له فأنفقها، لرأى على نفسه بعد ذلك حقوقاً)، فهذا هو سلطان بن عبد العزيز آل سعود: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله * حسب أبي خالد- عليه شآبيب الرحمة والغفران- أن تُذكر محاسنه، وأن تُعد فضائله، وأن يبكيه ملايين الناس من أطفال ونساء ورجال وفقراء ومحتاجين، قبل أن يبكيه خاصة أهله: حليف الندى.. إن عاش يرضى به الندى وإن مات.. لم يرضَ الندى بحليف * نعزي أنفسنا- نحن الكُتّاب والأدباء والمثقفين- فقد فقدنا داعماً وسنداً وعضيداً، فكم من أديب عاضده سلطان، وكم من كاتب سانده سلطان، وكم من باحث دعمه سلطان، حتى نجح الكثير من المبادرات الفردية، وتحقق للمشهد الأدبي والثقافي في البلاد، الكثير من المنجزات البحثية والأدبية، ابتداءً من (جائزة الملك فيصل العالمية)، إلى (الموسوعة العربية العالمية)، إلى (مشروع الملك عبد العزيز آل سعود.. سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية)، إلى (برنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في منظمة اليونسكو).. إلى غير ذلك من المبادرات النيرة لسموه- رحمه الله- في خدمة البحث العلمي والأدب والفكر والثقافة. * العزاء.. لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، منّ الله عليه بالشفاء، ومتعه بالصحة، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني وزير الداخلية، وإلى سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، مساعد وزير الدفاع، وإلى كافة أسرة فقيد الوطن الكبير، والشعب السعودي كافة. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.