لقد انتشرت ثقافة التقسيط بمجتمعنا إلى أن تجاوزت المعقول، والمر في ذلك أن كثيراً من الأفراد لا يفقه من التقسيط إلا مدته والمبلغ المطلوب وكم القسط!! وهذا الفكر أدى إلى انجراف كثيرٍ من الأفراد - رجالاً ونساءً - للهلع لشركات التقسيط والبنوك لإبرام اتفاقيات التمويل بعدما أغرته تلك الدعايات بالقسط المريح سواءً كان لسيارة أو منزل أو غيرها من الاحتياجات. ولا شك أن التسهيلات الممنوحة من الشركات والبنوك نعمة كبيرة إن كانت لحاجة ضرورية لبعض الأفراد وقد تكون في بعض الحالات حافظةً لأموالهم كون تلك الفئة عاجزة عن حفظ المال، إلا أن التقسيط يكون نقمة إن كان طلب القرض لرفاهية يمكنه العيش بدونها، بل إن بعضهم للأسف وصل إلى الاقتراض ليسافر إجازة الصيف!!؟؟ إن ما يُسوِّق له بعض المقرضين لمدة طويلة تتجاوز الخمس سنوات قد يكون فخاً لكثير من الناس وأتذكر أن أحداً اتصل بي وقال: (أنا تورطت) فلما استفسرت منه قال إنه اشترى منزلاً بالأقساط لمدة عشرين عاماً، وإنه الآن ليس له حاجة بالمنزل ويريد أن يبيعه، ولم يتمكن لرفض المُقرض ذلك، وأن الأقساط تحرق رواتبه، وأنه ليس له دخل سوى هذا الراتب وملزم بالعقد فما الحل؟؟ من المؤكد أنه ليس له حل فإن المُقرض يعتبره مصدر دخل قوياً خلال سنوات السداد، فالمُقترض يرغب في زيادة عدد السنوات ولم يعرف أن المُقرض حصد منه أموالاً طائلة بنسبة أعلى بكثير من مما يعلمه! نعم.. إن غالب القروض للأفراد ذات الصفة الطويلة مثل التقسيط لعشرين عاماً يبدأ القسط بنسبة من المبلغ في حدود 5 بالمائة والمقترض يسدد وتبقى النسبة ثابتة على أصل المبلغ حتى تصل بآخر العشرين سنة إلى نسب خيالية تتجاوز 50 بالمائة تقريباً، وهنا يبدأ المقرض بحصد أرباح خيالية. لقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من «غلبة الدين وقهر الرجال» وكما قيل: الاقتصاد في العيش ثلث الكسب، لذا فلا بد أن يكون خيار الاقتراض آخر الحلول وأبعدها لما له من الأثر النفسي والاجتماعي على الفرد والمجتمع، وأما إذا اضطررت للاقتراض فعليك أن تراعي الآتي: 1 - أن يكون القرض لاحتياج لا غنى عنه.. مثلاً: تملُّك منزل بدل الاستئجار. 2 - أن لا يكون نوع القرض أكبر من حجم المقترض، مثلاً شقة بدل فلة، أو فلة بدل قصر. 3 - أن يكون القرض لا يتجاوز 3 سنوات وإن تجاوز يكون تناقصياً يعني أن نسبة المرابحة تكون على المبلغ المتبقي وليس على أصل المبلغ. 4 - أن لا يكون مجموع الأقساط من المقرضين تتجاوز 30 بالمائة من الراتب. 5 - رائع لو استطعت أن تشترط بالاتفاقية السماح للمقترض بالسداد قبل موعد الدفعات مع تنازل المقرض عن نسبة المرابحة المتعلقة عليها. 6 - أن يعزم على السداد لأنه جاء بالحديث: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه). 7 - أن يكون القرض متوافقاً مع أحكام الشريعة. 8 - رائع لو كان من شروط المقرض الإعفاء عند الموت. وفي الختام أرى أن نعيد تاريخنا السابق، وذلك قبل التوجه لتلك الشركات بأن يفتح الموسرون للمعوزين من أقاربهم باب القروض الحسنة لما فيه من مصالح لا تُحصى فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من أقرض مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به).. صححه ابن حبان والألباني مرفوعاً. همسة: أتمنى من شركات التقسيط أن تراعي الشفافية للأفراد وأن يكونوا منصحين وذلك تطبيقاً لحديث الرسول صلى عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).