كل إنسان يكره الموت حتى من يشتاق إلى الجنة، ومع ذلك فإنّ الموت هو المحطة الأكيدة لكل أحد! هذه متناقضات ما كانت لتجتمع لولا أنّ الموت هو الذي يبتدع الحياة، لذا فهو من أعظم خلق الله. فالموت مُوكل بتجديد الحياة، بإزالة القديم وإحلال الجديد. بهذا المعنى الموغل في الألم والرهبة، غرس ستيف جوبز معنى أهمية التجديد والتغيير في قلوب الشباب والشابات المقبلين على الحياة العملية. تَتَبُّع تغير المعطيات وإدامة البحث وتجديد النتائج وتغيير الفكر، هي الوسائل الإبداعية الخلاّقة التي تضمن الديمومة وتدفع التطوّر، ولذا تقدمت بلاد جوبز وهيمنت بينما تبع غيرهم وتأخر. ستيف جوبز - رئيس شركة أبل الراحل - ليس وحيد بلاده، فالإبداعية في أمريكا شرط تسلم إدارة الشركات الكبرى، وهي أساس النجاح. ما ميّز جوبز عن غيره أنه كان فيلسوفاً معلماً ومنظراً مطبقاً. فلسف جوبز الإبداعية ثم اختصرها في جملة واحدة «فكر بطريقة مختلفة». نظر جوبز للإبداعية فأرشد إلى الطريق فقال: أعلم بني أنّ حياتك محدودة فلا تقع في فخ العيش وفق ما توصل إليه فكر الآخرين، بل فكر بطريقة مختلفة. ثم أتبع ذلك بشرح الممانعة للتجديد فقال: لا تدع الضوضاء التي تحدثها آراء الآخرين تعلو فوق صوتك الداخلي. ثم أكد حقيقة بشرية وهي مقاومة التغيير فأرشد إلى وجوب تخطي العقبة الأساسية للإبداعية، فقال: والأهم يا بني أن تمتلك الشجاعة بأن تتبع ما يمليه عليك قلبك وحدسك. ثم ختم موصياً موجزاً «كن جائعاً وكن غبياً». فمن ادّعى الشّبع من المعرفة، فما ذاقها قط. ومن لم يسأل إذا جهل، فلم يفهم قط. بهذه المفاهيم قامت أمريكا على الإبداعية فتقدمت وهيمنت على العالم. فهناك لا يُلتفت إلاّ لمن فكر بطريقة مختلفة فُيستمع له، فإما وجدوه مجنوناً أو وجدوه مبتكراً. والجنون لا يخلو من فنون فيُستفاد منها، والمبتكر هبة ربانية لا تُنكر فتُضيع. وبعكس هذه المفاهيم تأخرت بلاد كثيرة فظلمت أبناءها كما أهانت تراثها. فجوبز سوري الأصل من أم لم تتزوج أباه - البروفسور عبد الفتاح جندلي - فزهدت به فقذفته، فتبنّته أسرة فقيرة عجزت على أن تعلمه، فلم يُكمل جوبز دراسته. وجوبز، عربي سوري الأصل، لو عاش في سوريا لغلب عليه أن يصير شبيحاً يقتل ويكذب للنظام. فطمس الحريات في بلاد الرأي الواحد مسخ عقول مبدعيهم، وحرية وعدالة الغرب صقلت عقولهم، فجعلت منهم الرئيس والمبتكر والملهم. وقد لخّص الرئيس الأمريكي أوباما حسين فلسفة جوبز عبد الفتاح، وذلك في نعيه عند سماع خبر موته فقال الرئيس « كان ستيف من بين أعظم المبتكرين الأمريكيين، ولديه من الشجاعة ما يكفى للتفكير بشكل مختلف، والجرأة الكافية ليعتقد أنه قادر على تغيير العالم، وكان لديه من الموهبة ما يكفي لفعل ذلك». كان جوبز عبد الفتاح مُلهماً كما كان مبتكراً وعالماً وفيلسوفاً، ومن المسكوت عنه أنّ ملهمي شباب وشابات أمريكا هم صُنّاع الحياة، بينما ملهمو العالم المتخلّف هم صُنّاع الأوهام.