انتعش سوق رسائل الجوال بعد الإعلان التاريخي عن دخول المرأة لمجلس الشورى؛ فقد تلقيت أنا شخصياً رسالة من تحت قبة الشورى تهنئ وتبارك في نفس اللحظة التاريخية، وأنا أمتن لكل رجال الوطن المخلصين الذين ساندوا وسيساندون كل نجاحات المرأة لأنها شقيقتهم وشريكتهم في الحياة. غالبية الرسائل التي تبادلها الناس خلال الأيام الماضية كانت هادئة وظريفة وتحمل خفة دم سعودية تكاد تنافس خفة دم الأشقاء المصريين، لكنها ما لبثت - أي الرسائل - أن اشتدت وغلظت لغتها وقست حين انتشرت في المنتديات بعض المواقف الرافضة التي تتلبس بلبوس الدين! قرأت الرسائل وأنا أسترجع مصطلح (القارئ المقاوم) وهو مصطلح معروف في سياق النقد النسوي، ذلك أن تلقي حضور المرأة في الأدب شعراً ونثراً يواجه مقاومة شديدة من القارئ رجلاً كان أو امرأة وهو ما ينطبق على كل حضور للمرأة في جوانب الحياة! فالثقافة الرافضة لتطور النساء ليست من صنع الذكور، بل إن نساء كثيرات تشرّبن ثقافة رفض الحضور النسائي فيسعين للتقليل منه والتندر من المرأة ذات العقل ووصفها بالمتشبهة بالرجال، وهو وصف يعادل الإخراج من جنة النساء الناعمة الشفافة ذات الشموع والعطور اللزجة الفوَّاحة. يعمد القارئ المقاوم إلى كره النساء وتهميشهن وعدم الالتفات إليهن إذا كن يمتلكن عقولاً ناضجة ويعمد في ذات الوقت إلى التعاطف مع المرأة الغبية التافهة والسطحية ويلبسها ثوب الجمال ليجعل من السطحية والجمال متلازمتين، كعامل ضغط على النساء لمحاربة نموذج العقل والبقاء في دائرة التفاهة. يدخل تحت هذا الباب الأبيات خفيفة الظل التي تبادلها الكثيرون عبر جوالاتهم، فالشاعر يقول في قصيدة منها: لو شفتها يا حمود وعيونها السود تقول يا ربي وش اللي بلاني يا حمود سامحني على كل منقود وخلك معي رشح أسيل ورزاني الشاعر يقاوم ويرفض فكرة أن تفوز امرأة بالترشح لنضج برنامجها الانتخابي ولما يحمله عقلها من رجاحة ووعي ورؤية واسعة، ويحصر أسباب فوزها بسواد عينيها ورقتها وعذوبتها وهي الصفات المرتبطة بجسد المرأة الذي لا يستطيع وعي بعض الرجال التخلّص من سطوته في مناحي حياتية ليس لها علاقة به مثل المجالس البلدية ومجلس الشورى، فهما مجالات عمل لا تأثير لطلة المرأة فيهما، بل الأثر الأبلغ للعقل والفكر، وإن لم نختلف على أن المرأة حتماً ستحدث فرقاً في كل مكان تتواجد فيه فهي الحياة ومنها الحياة.