يعود عبدالله بن عبدالعزيز إلى قبة مجلس الشورى بذات الكاريزما والحضور الجميل الذي عودنا عليهما، متحدثاً من جديد إلى شعبه وأمته وإلى العالم أجمع في إطلالة استثنائية قال من خلالها عمّا ظن بعضنا أن ذلك مما ينبغي أن يكون ضمن المسكوت عنه، بينما كان لخادم الحرمين الشريفين -كالعهد به دائماً- رأي آخر، ووجهة نظر مغايرة؛ فهو ولي الأمر والملك وصاحب الولاية، وغيره يبقى له حق الاستشارة وتقديم النصيحة، فيما أن على عبدالله بن عبدالعزيز أن يقبل أو لا يقبل بها وفق ما يرى أنه يستجيب لتطلُّعات مواطنيه. *** وليس الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بحكمته ودرايته وخبرته وتميُّزه من يتصلّب لرأي تبنّاه، أو من يهمش وجهات نظر لآخرين من شعبه، ولا أعلم ولا أعرف أن أحداً قال بهذا، إذ إنه يصغي لأي مقترح مفيد، ويفتح المجال للحوار البنَّاء، وينادي بصوت عالٍ: أن أعينوني بما يخدم الوطن والمواطن، وساعدوني بآرائكم وبكل ما يفضي إلى مصلحة عامة من المقترحات.. ضمن رؤية منفتحة ومثالية في تعامله مع شعبه وأمته. *** في كلمته أمس في مجلس الشورى أرسل الملك عبدالله أكثر من رسالة للداخل والخارج، وتحدث عن أكثر من موضوع لامس بها شغف الناس وحرصهم على معرفة رأيه وموقفه منها، كما عبّر بوضوح وشفافية عن كلِّ ما كان له علاقة أو مصلحة للوطن والمواطن، دون أن ينسى أُمّته أو يدير ظهره عن مصالحها، فإذا بنا أمام قائد وزعيم وملك على علم ومعرفة بما يفكِّر به مواطنوه قبل أن يأتي إلى مجلس الشورى ليلبِّي رغبتهم بوضعهم في صورة ما يجري، وليقول لهم ما لا يسمح لنفسه بأن يخفيه عنهم، ضمن العلاقة الحميمة التي تجمعه بهم وتقربه إليهم. *** في البدء قال - بشكل قاطع - إنه لن يقبل من الوزراء أو المسؤولين كافة التخاذل أو التهاون أو الأعذار، عن الإسراع في تحقيق ما اعتُمد من مشروعات جبّارة، وذلك ضمن استشعاره -أيده الله- بأهمية الانخراط في تطوير جميع مرافق الدولة، لرفع كفاءتها بما اعتُمد ورُصد لها من المليارات، وهذا يفسر لنا لماذا تنعم بلادنا بالأمن والاستقرار في ظل وحدة وطنية تعكس التلاحم والوفاء بين قادة هذه البلاد وشعبها الوفي النبيل كما قال خادم الحرمين الشريفين. *** وفي قرار تاريخي تزامن مع الخطاب الملكي ومع ذكرى اليوم الوطني أعاد عبد الله بن عبد العزيز للمرأة السعودية اعتبارها وحقوقها، حين أصدر أمره الكريم بدخول المرأة عضواً في مجلس الشورى ابتداءً من الدورة القادمة، وفي الترشُّح للانتخابات البلدية، وهي نقلة نوعية في تاريخ المملكة، وتطوير استثنائي وغير عادي في مسيرة المملكة، وقرار مهم يشكِّل سابقة جميلة استمدّ وجاهته ومنطقيته وسلامته اعتماداً على ما جاء في الكتاب والسنّة؛ فالجميع يعلم - كما يقول الملك - بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي مواقف لا يمكن تهميشها منذ عهد النبوة مروراً بعهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، فنحن - كما يقول أيضاً - في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين؛ والنساء كما قال عنهن الملك عبد الله بن عبد العزيز ذات يوم ما شفنا منهن إلا كل خير، وتريدون منه ألا يتعاطف مع حقوقهن؟!. *** ولم يغب صوت عبد الله بن عبد العزيز في ظل ظاهرة قد تقوّض كل ما بناه عبد العزيز وحافظ عليه أبناؤه وشعبه من بعده، عن التأكيد على الوحدة الوطنية، رافضاً النعرات القبلية واللعب على أوتار الصراع المذهبي، وتصنيف فئات المجتمع وإطلاق نعوت ومسمّيات ما أنزل الله بها من سلطان، وكل ما يندرج ضمن هذه التوجُّهات من التصرفات والأعمال التي تناقض سماحة الإسلام وروحه ومضامينه فهي ضمن الخطوط الحمراء التي لا يتسامح معها عبد الله بن عبد العزيز. *** وكان الأمن وأهميته ودوره في استقرار الوطن وحماية المواطنين والمقيمين حاضراً - وبقوة - في حديث خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس الشورى، مؤكداً على اعتزازه بما قدّمه رجال الأمن البواسل من تضحيات في سبيل القضاء على ظاهرة الإرهاب، حين واجهوا عناصر الفئة الضالة بالقوة التي تحمي الناس من شرورهم دون أن يغفل دور المواطن في مساندة الأجهزة الأمنية، باعتبار أنّ المواطن هو رجل الأمن الأول. *** ولم يكن هناك أغلى من خدمة الحرمين الشريفين لدى عبد الله بن عبد العزيز، فجاء خطابه مفعماً ومليئاً ومجسِّداً لحقيقة الهدف من التوسعات الهائلة والعظيمة التي شهدها عهد خادم الحرمين الشريفين، شاملة التطوير لكل مرافق المسجد الحرام، بما لا سابق له في النوعية والحجم والمبالغ التي رُصدت لتنفيذ هذه المشروعات الضخمة. *** ولم يكن ابتعاث الطلبة والطالبات إلى الخارج للدراسة في جامعات تلك الدول، أقل حظاً من غيره في مجمل الإنجازات والاهتمامات التي عددها وأبانها الملك عبد الله بن عبد العزيز في خطابه؛ فقد شهد هذا العهد الزاهر من المساندة والدعم ما مكّن أكثر من مائة وثلاثين ألف مبتعث ومبتعثة من تلقي تعليمهم في أرقى الجامعات الأجنبية. *** الخطاب الملكي تحدث عن أمن دول مجلس التعاون، وعن مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، وقال خادم الحرمين الشريفين كلاماً كثيراً ومهماً عمّا تشهده الساحة الإقليمية من متغيّرات ومستجدات، يحدوه الأمل - كما قال - أن يعم الأمن والاستقرار عالمنا العربي، مع التأكيد على أنّ المملكة تحترم وتدعم خيارات الشعوب وترفض التدخلات الخارجية. *** كلام كثير يمكن أن يُكتب عن الكلمة التاريخية التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين، فقد تضمّنت مضامين مهمة ورؤى صادقة، وكانت شاملة لكلِّ المستجدّات في الداخل والخارج، وحسبها أنها صادرة عن عبد الله بن عبد العزيز، ومن قلبه الكبير الذي يحمل همّ مواطنيه وأُمّته، ويعمل من أجل خيرها وتقدمها واستقرارها.