كنت في عام 1419ه يمّمت شطر بيت العلاّمة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، للسلام عليه واستئذانه في تسجيل لقاء خاص عن حياته، ضمن البرنامج الذي كنت أقدّمه في إذاعة القرآن الكريم «في موكب الدعوة»، استقبلني كعادته «رحمه الله» مع الجميع بحسن خلقه المتميّز وبشاشته ولطفه وابتسامته. استهللت اللقاء بسؤال عن رحلته في طلب العلم بدءاً من شيخه العلاّمة عبد الرحمن السعدي «رحمه الله» في عنيزة وعلماء آل سليم في بريدة وغيرهم من شيوخه. كان حديثه «رحمه الله» كالمطر، حيث اختيار اللفظ والعبارة، يختصر الحديث والمعلومة بكل دقّة، رغم بُعد الزمن والتاريخ، لم اكتفِ بحلقة واحدة حيث انتهت وبقي الحديث ممتعاً عن مسيرته وحياته العلمية والعملية، فاستأنفت التسجيل بلقاء آخر وحلقه ثانية، فكان «رحمه الله» لا يتردّد في الإجابة عن سؤال أو يتمعض من مناقشة له، واستطرد آنذاك في سرد حياته العلمية والعملية التي قضى فيها أكثر من ستين عاماً في سلك الدعوة والتعليم والقضاء، متنقلاً بين مناطق المملكة وقراها باذلاً للعلم. لقد كانت علاقتي به «رحمه الله» كما هي عادته مع تلاميذه ومحبيه، يبادرهم بالسؤال ويتودّد إلى الجميع بحسن خلقه الذي أصبح مضرب المثل في أوساط العلماء وطلبة العلم.. وكذلك تواضعه، فهو يتحدث مع الجميع ويبسط لطفه إليهم، لا يتردّد في حضور مناسبة أو القيام بواجب دعوته إلى مناسبات عديدة، وكنت أحادثه بالهاتف أحياناً فلا يتردّد البتة في الحضور. بل في إحدى السنوات حضر وهو في حالة صعبة من الإرهاق والتعب، ولكنه بأخلاقه العالية وتواضعه الجم آلى على نفسه إلاّ الحضور. حضرت مجالس له مع بعض من أصدقائه الخاصين، أمثال شيخي محمد العبودي ومعالي الشيخ محمد بن عودة ومعالي الشيخ محمد السبيل وغيرهم، فكانت مجالسهم عامرة بالمفيد والذكريات الجميلة والأحاديث العلمية الماتعة. وكان كثير السؤال والإعجاب بشيخنا محمد العبودي، وكنت أزوّده بكل جديد من الإصدارات فيفرح بذلك ويبدي إعجابه بهذا الجهد العلمي من شيخنا محمد العبودي، وعلى الرغم من أنّ البعض يتداول ولادة الشيخ 1335ه، فإنه «رحمه الله « كان يصرح بأنه وُلد قبل هذا التاريخ في حدود عام 1333ه. وقد تلقى تعليمه كما حدّثني على يد والده الشيخ عبد العزيز العقيل «رحمه الله». كما لازم شيخه الأكبر عبد الرحمن السعدي ملازمة تامة واستفاد منه بل واعتبر أحد أبرز تلاميذه. لم يكن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل طارئاً على المجتمع العلمي الشرعي، فهو من بيت علم وقضاء معروف فوالده طالب علم وراويه وشاعر، وعمه الشيخ عبد الرحمن كان أحد قضاة الملك عبد العزيز الأوائل، وكذلك أخوه الأكبر عقيل بن عبد العزيز العقيل الذى تولّى القضاء في نواحي جيزان، فانغرس حب العلم في نفسه منذ صغره، فأحبّ العلم ورافق العلماء ولم يزل يتتبّع آثارهم وخطواتهم حتى نال الرتب العليا من التقدير والمنزلة من قِبَل ولاة أمرنا - حفظهم الله - ومن قِبَل زملائه وتلاميذه ومحبيه. لقد قضى الشيخ العلاّمة عبد الله بن عقيل أكثر من ثلث قرن من الزمان معلماً ومدرساً، باذلاً وقته وجهده وجاهه لطلبه العلم، يصغي إليهم ويشرح لهم ما استعصى عليهم، يعلَّق ويناقش، يتحدّث بلطف معهم ويمازح، فكان أواخر البقية من العلماء الذين صدقوا مع ربهم وبذلوا علمهم ونفعهم للناس كافة. وإذا كان الشيخ عبد الله قد خلّف إرثاً علمياً تمثّل في دروسه وتلاميذه، فكذلك ترك وراءه ذرِّية صالحة وأبناء نجباء بررة، أنس بصلاحهم واستقامتهم ونجاحهم، وعلى رأسهم الشيخ عبد الرحمن والشيخ عبد العزيز والشيخ عبد الملك والأستاذ محمد والأستاذ عمر وبقيه أبنائه الكرام. أما آثاره العلمية المدوّنة والمطبوعة فمنها: فتاوى بن عقيل وقد تم نشرها في مجلّدين وطُبعت سنة 1421ه، وكذلك كتاب فتح الجليل في ترجمه وثبت شيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز العقيل، والأجوبة النافعة من المسائل الواقعة، وكشكول بن عقيل وهو عبارة عن طرائف وألغاز فقهية. رحم الله شيخنا العلاّمة عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خير الجزاء على ما قدّم من نفع للإسلام والمسلمين إنه سميع مجيب.