مرت ببلادنا المباركة حفظها الله المملكة العربية السعودية عهود وأطوار وأحداث تخللها رجال وعلماء وشخصيات حفظ التاريخ جهدها وتناقل الناس مواقفها تخليداً للراحلين وذكرى للاحقين. وسماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله أحد تلك الشخصيات العلمية والاجتماعية البارزة. كانت حياته منذ شبابه ملفتة ومظهره كفاءة وتميزاً وطلبه للعلم لفت أنظار شيوخه وأقرانه. كان ظهوره مع حياة الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله من دلائل توفيق الله لموحد البلاد طيب الله ثراه أن هيأ له أمثال أولئك الرجال المخلصين الناصحين والعلماء الراسخين. كانت محطات حياته رحمه الله بدءاً من قضائه بالمجمعة ثم القصيم ثم انتقاله إلى مكة وأخيراً حتى توفاه الله رئيساً لمجلس القضاء الأعلى جميعها تشهد بالاستثناء الكبير في هذا العلم البارز. حين تصفحت كتاب «سماحة الشيخ عبد الله بن حميد كما عرفته» لمعالي شيخنا محمد بن ناصر العبودي تأملت في أمور عديدة وهو الأبرز والأهم في نظري تلك الشخصية القيادية الفريدة التي تمتع بها العلامة ابن حميد. كانت ممارسته للقضاء أنموذجاً في العفة والنقاء مقروناً بالقرب المباشر من الناس يقضي حوائجهم ويلبي دعواتهم ويسعى في حاجاتهم ينصح لولاة الأمر فما يزيده ذلك سوى محبة وتقديراً لمقامه. لما يلمسه الجميع من نصح وصدق سريرة منه رحمه الله. كنت وما زلت آمل أن تكون حياته وتعامله وقضاؤه دروساً تتلى على شبابنا وقضاتنا اليوم. لم يكن القضاء لدى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ممارسة وظيفية فحسب بقدر ما كانت ولاية تشريف وتكليف حملت معها أعباء ومسؤوليات قام بها خير قيام. عاش في بريدة ثمانية عشر عاماً لم يتأفف أو يضجر ولكنه اندمج مع الأهالي عرف حالهم وسبر أفعالهم وتعرف على رجالهم وشخصياتهم حتى أصبح واحداً منهم. كانت عقليته المنفتحة والمتسامحة تحدو بالآخرين والبعيدين للحضور إليه والاستماع لرأيه. ومتابعته الدقيقة لأحوال البلاد السياسية والاجتماعية تجعلك حيران في هذا العلم الكبير رحمه الله. وقد قيض الله له تلميذه النجيب العلامة محمد العبودي الذي زف ذلكم الكتاب الفريد في طريقته المتميزة؛ أسلوباً ومنهجاً ليبرز بشكل دقيق صفحات مطوية كادت تنسى من حياة العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وذلك بأسلوب سردي أدبي جميل ارتكن فيه على آلية اليوميات التي كان يدونها الشيخ محمد العبودي «التلميذ» لشيخه «عبد الله بن محمد بن حميد» خلال سنين الطلب والدرس في طلائع سنوات قدوم الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد إلى بريدة قاضياً على القصيم في عام 1363ه. ويبرز الكتاب - من جهة أخرى - الملكات المبكرة في التميز والإبداع والذائقة الأدبية التي وهبها الله الشيخ محمد العبودي من خلال حسه المبكر في أهمية تدوين الأخبار والأحداث خصوصاً تلك المتعلقة بشيخه الأول. كما يبرز في هذا الكتاب صور من العلاقة الودية والعلمية والوشائج التي تربط بين الشيخ ابن حميد وتلاميذه، بما يثير مسائل الصلة التي ترويها كتب الأخبار والتراجم عن علماء الأمة الإسلامية، حيث إن علاقتهما تجاوزت حدود الدرس إلى التواضع والتبسط والتودد الذي كان يبديه الشيخ لتلميذه؛ بل إن الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد ومن خلال تلك العلاقة والوشائج العلمية والأخوية بينهما يتنبأ بالمستقبل لهذا التلميذ النابه وما سيكون عليه لاحقاً، وقد كان يخصه بعطفه وتعليمه ومباسطته مما يعبر بشكل واضح عن مدى الحس العقلي والفطنة التي منحها الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد ليعوِّل على هذا التلميذ الذي صدق فيه حدسه وثبتت فيه فراسته. [email protected]