من محاسن ديننا الإسلامي الحنيف أن أحكامه وشرائعه مبنية على اليسر والسهولة كما قال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله سبحانه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ومن تيسير الله ورفعه الحرج عن الأمة: أن حدد بدايات مواقيت العبادات ونهايتها بعلامات واضحة يعرفها كل أحد وفي كل مكان وزمان، للحاضرة والبادية، للجماعات والأفراد، للمتعلمين والعوام. ومن ذلك طريقة إثبات دخول شهر رمضان وخروجه فليس المعول فيه على حسابات الفلكيين أو تعقيدات وتخرصات المنجمين وإنما المعتمد في ذلك رؤية الهلال كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته). وليس من شروط الهلال أن يراه جماعة من الناس فعن جابر -رضي الله عنه-: جاء أعرابي إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: إني رأيت الهلال يعني: هلال رمضان: فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أتشهد أن لا إله إلا الله!؟)، فقال: نعم، قال: (أتشهد أن محمداً رسول الله!؟)، قال: نعم، قال: (يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً) -رواه أبو داود- وعن ابن عمر -رضي الله عنهما - قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. وأما الاعتماد على الحسابات الفلكية التي لا يعلمها كثير من الناس وإهمال الرؤية الشرعية التي يعلمها العامة والمتعلمون فهو أمر بدعي لا يجوز وهو نقل للناس من التيسير إلى التعسير ومن السعة إلى الضيق وهو مما جاءت الشريعة بخلافه قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: (إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته). وقال أيضاً: (قوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب) هو خبر تضمن نهياً، فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب، فمن كتب أو حسب (أي لإثبات الأهلية ونحوها) لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين) وقال عن الذين يعتمدون على الحساب دون الرؤية (والمعتمد على الحساب في الهلال، كما أنه ضال في الشريعة، مبتدع في الدين، فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب)أ.ه. وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (إن الله سبحانه وتعالى علق بالهلال أحكاماً كثيرة كالصوم والحج والأعياد والعدد والإيلاء وغيرها، لأن الهلال مشهود مرئي بالأبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالأبصار، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلقاً على الرؤية وحدها، لأنها الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه، كما قال صلى الله عليه وسمل: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). وبين رحمه الله ما يقع من أهل الحساب والفلك من الاختلاف فقال رحمه الله: (ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها. وفي أماكن الرؤية للهلال أو عدم ذلك. ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة، لأنهم ليسوا معصومين بل يجوز عليهم الخطأ جميعاً وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية، لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة، وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة). ومما يؤسف له ما حصل مؤخراً من بعض المختصين في الحساب والفلك هداهم الله من التشكيك والتشويش في رؤية هلال شوال رغم صدور البيان الملكي وقرار المحكمة العليا المبني على رؤية عدد من الشهود الثقات. وفي هؤلاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (إني رأيت الناس في شهر صومهم، وفي غيره - أيضاً- منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب من أن الهلال يرى أو لا يرى، ويبني على ذلك إما في باطنه، وإما في باطنه وظاهره، حتى بلغني أن من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب أنه يرى أو لا يرى، فيكون ممن كذب بالحق لما جاء)- إلى أن قال- (فإننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام: أن العمل في رؤية هلال الصوم، أو الحج، أو العدة، أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى، لا يجوز. والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم- بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلال قديم أصلا، ولا خلاف حديث) أ.ه. وفي ختام مقالي أنبه إلى أمرين: أولاً: أن الاستعانة بالمراصد الفلكية وأجهزة التلسكوب في رؤية الأهلة لا يتعارض مع الرؤية الشرعية بل هي وسيلة مساعدة لها وقد صدرت فتوى هيئة كبار العلماء منذ ربع قرن في جواز ذلك، لكن لا يلزم من ذلك حصر الرؤية فقط بتلك الأجهزة والمراصد، فقد يتمكن بعض الناس المعروفين بالخبرة والدراية وحدة البصر من رؤية الهلال بالعين المجردة فقط ولا يستطيع رؤيته أهل المراصد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثانياً: أن من مقاصد الشريعة لزوم جماعة المسلمين وعدم الفرقة والاختلاف والشذوذ عنهم لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} بل حتى لو قُدِّر فرضا الخطأ في ثبوت رؤية الهلال لقوله صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) رواه أبو داود والترمذي وصححه، ولهذا فقد اتفق الفقهاء على صحة الوقوف بعرفة في اليوم العاشر من ذي الحجة وإن أخطأوا في دخول الشهر، وكان ذلك اليوم هو يوم عرفة في حقهم، وممن نقل هذا الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. والله الهادي إلى سواء السبيل. - مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالثمامة