سنكمل الحديث عن وسائل مقاومة (نحس)، وهو الصوت الداخلي الذي يذكّرك بالسقطات ومشاهد الإخفاق، ويعمل ليل نهار على تحطيم قدراتك على أمور لا تستحق, ويوم سعده يوم يراك بَاكِيًا أَوْ مُطْرِقًا أَوْ ضَارِبًا بِرَأْسك على الحائط أَوْ مُنْطَوِيًا عَلَى نَفْسك فِي إحدى زوايا غرفتك، وهو ما أسماه عالم النفس الشهير أوجي نساجان (الناقد المرضي) pathological critic وهو في الرؤية الإسلامية (وسوسة الشيطان)، وقبل الشروع في وسائل مقاومته, تذكّر أن الإنصات لصيحات (نحس) البشعة ستهوي بك وتنغّص عيشك وتدمّر علاقاتك، ومعه ستموت وأنت حي، كما قال الكاتب نورمان كازنز: ليس الموت أكبر خسارة في الحياة فأكبر خسارة هي ما يموت بداخلنا ونحن أحياء, تسامح مع نفسك وكف عن حمل سقطات الماضي وتذكّر أنّ الإنصات لأحاديث (نحس) سوف تفسد عليك مستقبلك وتكدر عليك حاضرك، فعندما يزورك (نحس) حاملاً معه الذكريات السيئة فأسكته فوراً، وذكِّر نفسك ببشريّتك وتحدث مع نفسك بشأن أخطاء الماضي قائلاً لها: حينما فعلت ما فعلت لم أكن بنفس درجة النضج والتفكير والخبرة التي أنا عليها, حيث كنت أصغر عمراً وأقل تجربة, وتذكَّر أيها العزيز أنّ الاستسلام والتفاعل مع وسوسة (نحس) لن تطهرك من مشاعر الألم بل سيعمل على مضاعفتها, لذا فليكن تركيزك على مستقبلك مستعيناً متوكلاً على خالقك. ومن الأساليب الرائعة لمواجهة نحس استخدام طريقة الفيلسوف سقراط، وهي عبارة عن استجواب عميق للنفس تكشف به زيف ادعاءات وتلبيسات (نحس) عبر أربعة خطوط رئيسية تستخدم للاستجواب: 1 - الأسئلة التي تفضح لغة التعميم وإطلاق الأحكام التي يمارسها (نحس) من قبيل: هل صحيح أنك شخص لا تحسن الحديث أمام الآخرين؟ ألم تتحدث أوقاتاً كثيرة ونلت الإعجاب فيها؟ 2 - وهناك أسئلة تكشف الأوصاف السيئة والنعوت القبيحة كقولك: هل يعني إخفاقك في التعامل مع أحد موظفيك أنك مدير سيئ؟ وهل يعني حصولك على معدّل متواضع في مادة أنك غبي؟ 3 - والنوع الثالث من الأسئلة الذي يركّز على البحث عن أدلة وإثباتات كقولك: ما دليلك على أنك شخص غير محبوب؟ 4 - ومن أفضل الطرق لمغالبة (نحس) هي استحضار حجم الخسائر التي ستتكبّدها نتيجة إنصاتك له واستجابتك لهجماته، ومنها الإحساس بالضآلة وضمور المواهب والقلق الدائم .. أما ما يخض تحريض (نحس) نحو الكمالية وعدم الرضا بأي تقدم أو إنجاز ما لم يكن كاملاً، فاعلم أنّ من سبُل الحياة السعيدة هي تغيير نمط التفكير، وهذا يتطلّب ابتداءً تجفيفَ ينابيعِ المثالية الزائفة، وعدم الوقوع في مستنقع لعنة الكمال التي تفسد كلَّ شيء! ولا تستجب لنداءات (نحس) عندما يجنح لمقارنتك بالآخرين وهي مقارنة ظالمة جائرة، لأنه يقارن أسوأ ما لديك بأفضل ما عندهم، والله خلق كل إنسان بلمسة تفرّد وإبداع، فنجاحك لا يجب قياسه بما حققه الآخرون، فلن تصبح الأول إلاّ عندما تفعل أقصى ما يمكنك فعله، وهو ما يسمّى بالتفكير المستقطب حيث العيش في ضفتين إما بيضاء أو سوداء، ولا وجود لباقي الألوان، وكونك تعيش على فكرة تصنيف الذات والسلوك بأسلوب، وفقاً لمعايير مطلقة تحكم من خلالها على نفسك بالفشل المطلق أو النجاح المطلق أو الشجاعة أو الجبن، وهذا الأسلوب القائم على مبدأ (زلة واحدة) تنهيك، كما يقول د ماثيو ماكاي هو بمثابة انتحار إرادي للذات.. وأخيراً يجب علينا التذكير بأننا يجب أن لا نصنّف أي صوت داخلي ناقد على أنه صوت (نحس)، فهناك صوت الحكمة والبصيرة.. صوت الضمير الحي والحدس القوي الذي يدلّك على الخير وينبّهك برفق وحنان ! ومضة قلم: الحياة أقصر من أن تجعلها تعيسة!