في كثير من المناسبات التي تتم حول فرص العمل في القطاع الخاص في المملكة يتم التوصل إلى قناعة بأن هذه الفرص لو تم استغلالها من المواطنين لم يكن هناك مشكلة في التوظيف ولم يكن هناك شباب سعوديون جامعيون وغير جامعيين بدون عمل ذلك أن عدد العاملين غير السعوديين في القطاع الخاص فقط يصل إلى ستة ملايين بل قد يزيد عن ذلك. لنتصور: لو أن هذه الفرص الوظيفية المليونية أو على الأقل نصفها مشغولة بسعوديين ما الذي سيترتب على ذلك؟ والإجابة معروفة لدى الجميع إلا إننا في كثير من الأحيان نحاول تجاهلها، سيترتب على ذلك عدم وجود ما يسمى بالبطالة وسلبياتها المريرة، لن يكون هناك شاب أو مواطن بدون وظيفة، سيكون هناك إحساس بالمسؤولية من المواطنين تجاه بلادهم فخدمتهم في القطاع الخاص تصب في النهاية لمصلحة بلادهم لكون القطاع الخاص يشكل رادفاً مهماً للاقتصاد الوطني، سيترتب على ذلك أيضاً تلافي سلبيات بعض العمالة الوافدة، ذلك أن العمالة الوافدة ساهمت مشكورة في خدمة الوطن ولكن (الأقربون أولى بالمعروف) وتصور لو أن المبالغ الضخمة التي تحول من هذه العمالة للخارج قد استثمرت في بلادنا ماذا تكون النتيجة؟ إنها معروفة بدقائقها لدى الاقتصاديين بالدرجة الأولى، إنها مزيد من الرخاء الاقتصادي والاستثماري والرفاهية الاجتماعية وفرص العمل (وبالمناسبة فإن بلادنا في المركز الثاني عالمياً من حيث التحويلات المالية للخارج). إن أحداً منا لا يستطيع أن ينكر أن بلادنا كانت في حاجة للعمالة الوافدة وبالذات خلال مرحلة الإنشاء والتعمير وتأسيس البنية التحتية ولكن بعد اكتمال تلك الأسس كان من المفترض أن تنخفض أعداد تلك العمالة بحيث يبقى منهم من ما زالت الحاجة إليه مستمرة، كما أنه كان من المفترض إيجاد تنظيم دقيق لإحلال السعوديين بدل غيرهم في القطاع الخاص وبالذات في تلك الأعداد الهائلة من الوظائف التي يمكن إدارتها من المواطنين بسهولة وبدون الحاجة إلى تدريب فني ونحوه. إن النسبة المنخفضة من العاملين السعوديين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص وبالذات في هذا الوقت تعتبر نسبة ضئيلة جداً وهى لا تزيد عن كونها نسبة رمزية تعبر عن مجرد المشاركة فقط، وهذه النسبة تلاحظ عندما يقوم أي منا بمراجعة البنوك أو المؤسسات أو الشركات أو المكتبات الكبيرة فضلاً عن المنشآت الخاصة والأعمال الفردية. لقد بذلت وزارة العمل مشكورة جهوداً متوالية في سبيل سعودة وظائف القطاع الخاص سواء في عهد الدكتور غازي رحمه الله أو في عهد الوزير الحالي المهندس عادل فقيه وكان آخر تلك الجهود برنامج (نطاقات) الذي يعطي المؤسسة الأهلية المتفاعلة مع السعودة مزايا في المعاملة من قبل الوزارة وبقي الدور على رجال الأعمال الذي يوجد منهم من يتحلى بصفة المواطنة الحقة ممن يوجد لديهم من الإحساس الوطني ما لدى أي منا ونحن لم نثر هذا الموضوع إلا لمجرد التأكيد والتذكير فهم لديهم أبناء وبالتالي لديهم الإحساس بمشكلة التوظيف فالجامعات والمعاهد يتخرج منها سنوياً الآلاف فإذا لم يكن هناك تعاون وتنسيق وجدية بين مؤسسات القطاع الخاص والجهة الحكومية المعنية كوزارة العمل في سبيل التوظيف في القطاع الخاص فإنه قد يترتب على ذلك نتائج سلبية واجتماعية ونحوها. إن الجهاز الحكومي مكتفٍ حالياً من الموظفين ومهما قام هذا الجهاز بالتوظيف فإنه لن يتمكن من تغطية جميع طالبي العمل لأن حاجته للأيدي العاملة ليست بمستوى حاجة القطاع الأهلي، وهو أمر طبيعي فكل جهاز حكومي لديه مسؤوليات محددة وهو يوظف في حدود تلك المسؤوليات والزيادة عن ذلك تعني التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة وهما أمران غير مطلوبان لسلبياتهما الإدارية والمالية. إن الشاب السعودي يهمه الآن فرصة العمل الكريمة التي يستطيع بها المساهمة في خدمة بلاده وتأمين متطلباته وسواء كانت فرصة العمل هذه في القطاع العام أو الخاص وليس الأمر كما هو في السابق حيث كان الشباب يركزون رغباتهم على الالتحاق بالعمل الحكومي والمؤمل هو العمل الجدي من مؤسسات القطاع الأهلي في سبيل تحقيق رغبات شبابنا حتى لا يكونوا فريسة للفراغ وسلبياته وهم إن شاء الله على مستوى المسؤولية. بإيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين بشكل إستراتيجي إذ لا تقتصر مشكلة التوظيف على الوقت الحاضر فقط بل إن المقصود معالجة المشكلة في الحاضر والمستقبل فهذه المشكلة قد تتفاقم وتزداد إذا لم توجد لها الحلول الجذرية وذلك بسبب تزايد أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد المتخصصة تبعاً لزيادة نمو السكان فالوظيفة الحكومية قد لا تكون المجال الذي يستوعب كل أولئك. إن توظيف الشباب السعودي فور تخرجهم من الجامعات والمعاهد المتخصصة سيؤدي للعديد من الإيجابيات ومنها الآتي: - الحد من أعداد التحويلات المالية الكبيرة للعاملين غير السعوديين التي قد تصل سنوياً إلى ملايين المليارات من الريالات وذلك من أجل حماية الاقتصاد الوطني ولأن بلادنا ومواطنوها هم الأولى بتلك المبالغ من ناحية أخرى. - إن إشغال وقت الشباب بالعمل النافع لهم ولبلادهم يعتبر أيضاً من متطلبات الأمن ذلك أن الفراغ يؤدي بالعاطل إلى تصرفات تعود عليه بالضرر كما أنها تؤدي إلى الإضرار بالمجتمع بالدرجة الأولى فقد يلجأ بعض العاطلين مثلاً إلى السرقة من أجل الحصول على المال وبالذات إذا كانت حالة أسرته المادية محدودة، كما أن الفراغ قد يؤدي ببعض العاطلين منهم إلى ارتكاب المحظورات كتعاطي المخدرات ممن يخيل لهم من أن ذلك سوف يهون عليهم مشكلتهم وكلا الأمرين يتعارضان مع أهداف ومتطلبات الأمن. وفي سبيل تحقيق ذلك فإن الآمر يتطلب الآتي: - التنفيذ الدقيق والسليم من قبل مؤسسات القطاع الأهلي للأوامر والتعليمات والأنظمة التي صدرت في مجال السعودة والتي آخرها برنامج (نطاقات)، وأن يكون هناك شعور بأن توظيف المواطن في هذا القطاع إنما هو واجب وخدمة وطنية وجزءاً من الولاء للوطن، وأن يكون ذلك هدفاً إستراتيجياً لدى هذا القطاع وليس مجرد مساهمة أو مشاركة رمزية أو مجاملة. - المتابعة المستمرة من قبل وزارة العمل من أجل استمرار فعالية تنفيذ تعليمات السعودة من قبل الجهات المعنية. - تفاعل المواطن مع توجه السعودة إن كان عاملاً بالإخلاص في عمله والتفاني فيه وإن كان يرغب الالتحاق بالعمل فعليه أن يكون جاداً في رغبته وأن تكون نظرته للأعمال المناسبة نظرة واحدة. [email protected]