كثيرا ما نسمع كلاما يردده البعض كالقول بأن الشاب السعودي لا يطمح ولا يرغب ولا يميل للعمل إلا أن يكون عملا حكوميا بشرط أن يكون على مكتب ناعم الملمس وفي جو تلطفه برودة أجهزة تكييف الهواء !. والحق أن صحة هذه المقولة لا تنفي نسبتها فهي بالتأكيد ليست مطلقة . ولكن صحتها مرهونة بعدة عوامل مهمة لا مجال لاستعراضها هنا . ولكني اعتقد أن من أهم هذه العوامل ما يمكن استنتاجه من قصة معاملة هذا المواطن : قبل 20 سنة تقدم المواطن س لبنك التنمية العقارية بطلب قرض على أرضه في قريته القريبة جدا من المحافظة ، وقبل أن يستفيد من القرض توفاه الله بعد أن مضى على تاريخ تقديمه لطلب القرض قرابة التسعة عشرة عاما ، فتنازل ورثته رحمه الله لأحد أبنائه الذي يسكن في المدينة ويملك فيها قطعة أرض سكنية ، فجمع الابن الأوراق والمستندات والنماذج المطلوبة لفرع البنك في تلك المدينة ، وبعد تدقيقها وتسجيلها بالحاسب الآلي أرسلت للمركز الرئيس للبنك في الرياض للموافقة ، فمكثت هناك شهرين ، فأتصل صاحب الطلب بشخص من أقاربه في الرياض لمراجعة البنك هناك . قدم هذا الشخص رقم وتاريخ المعاملة للموظف ، وبعد البحث قال الموظف للمراجع : هذه المعاملة من المحتمل أن تصدر لفرع البنك بعد شهرين تقريبا من الآن ، راجعنا بعد أسبوع لنطلعك على الموعد المحدد . وفي أثناء حديث هذا الموظف وفي تلك اللحظة أتصل الموظف في فرع البنك بالمدينة المرسلة منها المعاملة ليقول لصاحب المعاملة : معاملتك وصلت من الرياض .. !! وعليها ملاحظة .. \" ورقة واحدة فقط ناقصة \" !! أرسل لنا الورقة لكي نعيد إرسال المعاملة للمركز الرئيس مرة أخرى !!. انتهت قصة معاملة المواطن ، فما يمكن أن نستنتج منها ؟!. إذا عرفنا أن كل أخطاء الموظف أو الإدارة الحكومية جسيمة كانت أو بسيطة ، كبيرة كانت أو صغيرة .. كلها تجيّر ( على ) حساب المواطن ، فهو من يتحمل تبعاتها من وقته وجهده وأعصابه وماله . وأن أهم ما على الموظف البيروقراطي – وهذه حقيقة علمية – من كاتب الوارد والصادر إلى أعلى قمة السلم الوظيفي هو رضا الرئيس المباشر أولا ثم الشاطر والمشطور ( توقيع الحضور والانصراف ) وليس ما بينهما .. !! فمن ذا الذي يلوم العاشقين للعمل الحكومي ؟! من يلوم طالب العمل إذا رفض أي عمل غير العمل الحكومي ( المكيّف ) أو ( الموظف ) للموظف وليس العكس !؟. من يلوم العمل بمفهوم : ( وظيفة حكومية أمان من الفقر ) !؟ الذي يحل في وعي الموظف الحكومي محل المثل القائل : صنعة في اليد أمان من الفقر ..!؟ وهو مثل درسانه في الصفوف الابتدائية .. وكان من أول \" المتبخرات !\" مما عُلّم لنا .. !! هذا من ناحية ، لكن من ناحية أخرى هناك استنتاج آخر من القصة هو مراعاة نظام القروض في صندوق التنمية العقارية لفقه المواريث في الإسلام إذ يورث الآباء للأبناء القرض فالآباء هم المقترضون والأبناء هم الوارثون !!..