نسير إلى الآجال في كل لحظة وأيامنا تطوى وهن مراحل تدمع عيناك حينما تفقد عزيزاً، وحين لا ترى من تحب أمامك سوى بقايا من رسم محياه، فتثير شجونك فرغم مضي مدة على رحيله قاربت العامين، فلم تزل ذكراه باقية وستبقى - بإذن الله - ما حييت فلن تمحوها صوادف الدنيا وزخارفها الفانية. إنه عمي عبد الله بن محمد بن أحمد القصير. لقد تذكرته بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك حيث كنت أزوره في أول يوم من الشهر لأبارك له بدخول الشهر الكريم في كل عام فأجده تالياً للقرآن في مسجده. يحق لي أن أتذكره وأبكيه ليس اعتراضاً على أمر الله وقضائه ولكن أبكيه على ما فقدنا من خُلق وأخلاق وتعامل وتواصل وحب للخير وخفة النفس. لا تمل الحديث معه. من عرفه لا يشعر أنه يمل من أحد. خُلقه رفيع تواضعه حقيقي قلبه مليء بالمحبة والمودة. وصلت محبته إلى القلوب دون تكلُّف.. غير مغتر بالحياة شاكراً لربه على ما به من نعمة.. عَاملَ الناس جميعهم بالطيبة والاحترام والتقدير والأخلاق الفاضلة والسمت الراقي وحسن الحوار والأدب.. ذو هيبة ووقار حتى مع أقرانه وجهه يشع نوراً.. تعلوه انطلاقة أسارير وجهه.. محب للخير دون تفاخر. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع درجته بالجنة، وأن يبني له بيتاً فيها كما بنى بيتاً من بيوت الله في الدنيا. حين تزوره يتقاطر لسانه بأجمل عبارات الترحيب حتى مع الصغار وتأنس بمجالسته من مواقف وقصص وتاريخ.. سوالف جميلة وطرائف مضحكة.. مجلسه أشبه بنادٍ أدبي نادر في زمانه على كبر سنه واصل لرحمه مع أحقيته بذلك.. يستقبل الناس بكل أريحية ويشعر الجميع أنه لهم عنده مكانة.. بسيط على أنه أكبر الأسرة وأب وجِد مجيد إذا نطق مصيغاً مستمعاً لا يتضايق من ضجيج الأطفال في منزله لرحابة صدره واحتسابه وكرمه وصبره.. ذو رأي سديد وحجة قوية بالحق.. ذو دراية ونظرة ثاقبة للأمور حيث كان مرجعاً لحل كثير من المشاكل وإصلاح ذات البين بين الناس، كنا ننتظر زيارته مع الوالد - حفظه الله - والتحدث إليه، وكان يبادرنا المشاعر والسؤال عن الصغير والكبير والحاضر والغائب وأحوالنا كافة.. وقف معنا في معاناتنا وشاركنا ما نشعر به من فجائع. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يناله من فضل الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في فضل حُسن الأخلاق والتعامل.. ويجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يفسح له في قبره، وينوّر له فيه، وأن يفتح له باباً إلى الجنة، وأن يقدس روحه في جنات النعيم، وأن ينزل عليه من نفحات الرحمة في هذا الشهر الكريم.. آمين واللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.