من سنن الله في الكون أنه خلق للحق أهلا وللباطل أعوانا، وخلق للخير أهلا وللشر مفاتيح، وجعل أهل الخير هم أحباءه وصفوته من خلقه، وكل بهم قضاء الحاجات وإعانة المعسر وإغاثة الملهوف ووعدهم بجزيل الأجر وعظيم الثواب يوم يلقونه بصحف تشع نورا من مباهج أعمالهم. ومن هؤلاء الرموز الذين ارتبط بهم عمل الخير المغفور لها بإذن الله تعالى صاحبة السمو الأميرة سلطانة السديري -رحمها الله- التي اختارها الله إلى جواره قبل أيام قلائل في أول يوم من شهر رمضان المبارك ففجعت بها القلوب وتألمت لفراقها النفوس: كيف لا ؟ وهي أميرة الخير وأم الخير التي امتدت يدها بكل أنواع الخير والبر والمعروف لمن تعرف ولمن لا تعرف بنفس راضية، هي نفس هذبها الإيمان فأورثها التواضع والحرص على عمل الخير دون منٍّ أو تصنّع مباهاة. كانت -رحمها الله- راجحة العقل سامية النفس كريمة الصبر؛ فقد ابتلاها الله بفقد اثنين من أبنائها هم صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان وصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن سلمان فكانت مثالاً للصبر والثبات الدالان على قوة الإيمان وجميل التسليم بقضاء الله سبحانه وتعالى. وسأكتب اليوم عن صاحبة السمو الملكي الأميرة سلطانة بنت أحمد السديري رواية عن أمي التي عرفتها عن قرب، وروت لي من مواقفها ما يعجز القلم عن التعبير عنها مسلكها مع أسرتها وفي بيتها، ومسلكها مع مجتمعها ومسلكها مع صديقاتها ومعارفها؛ فقد كانت مدرسة وقدوة مبادرة إلى فعل الخير فما تكاد تسمع عن محتاج أو مضطر إلا وتسارع إلى مد يد العون دون أن يدري أحد بما تفعله إلا ربها الذي قصدت رضاه بكل ما قدمت. في بيتها تلك الأم والمربية الفاضلة التي تخرج على يدها كوكبة من ألمع شباب الوطن: فمن منا لا يعرف الأمراء الأفذاذ أبناء سلمان وسلطانة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان -رحمه الله- عرفه الناس مجسدا لكل صفات النبل مجتمعة، وكان فراقه محزنا للجميع، وكذلك صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن سلمان -رحمه الله- الذي هو الآخر كأخيه ترك مآثر يستعصي على الزمن طيها أو نسيانها. أما بقية أصحاب السمو الملكي الأمراء سلطان بن سلمان وعبدالعزيز بن سلمان وفيصل بن سلمان وصاحبة السمو الملكي الأميرة حصة بنت سلمان فأعمالهم تدل عليهم وتذكر هنا المقولة العظيمة في مدلولها للراحلة الكريمة عندما حقق صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان إنجاز رائد الفضاء العربي، قالت -يرحمها الله- «أخرجت أبنائي من أمومتي إلى أمومة الوطن ولا أرى ما يراه الناس من أنه رائد الفضاء العربي المسلم فقط، إنما هو قطعة مني أهديته للوطن، وإنجازه لا يحسب له أو لي، بل هو حق للوطن». وتقول في ذات السياق: «أنا لست أما لسلطان وحده، بل لفهد، أحمد، عبدالعزيز، فيصل، وحصة، ربيتهم للوطن ولم أربهم لي وحدي». نعم، من كان مثلها مدرسة في مكارم الأخلاق وعمل الخير وسليلة أسرة كريمة وقرينة أمير إنسان جمع الإله له كل مآثر العظمة لا غرو من كانت مثلها لن تربي أولادها لنفسها لمنها ربتهم للوطن فكانوا نعم الرجال الذين يفخر بهم الوطن. لكنا في لحظة الوداع وما أقساها نتذكر أميرنا المحبوب سلمان بن عبدالعزيز الأمير الصابر المحتسب الذي ابتلاه الله من قبل بفقد فلذات كبده: فهد وأحمد، واليوم يفقد رفيقة دربه تلك التي ما هان فراقها على البعيد النائي فكيف بالقريب الحبيب، لكنا دائما نتعلم من سلمان ونستلهم منه القدوة وهو المواسي والآسي دائماً للجروح حتى وهو في أحلك المواقف، وأميرة الخير سلطانة -يرحمها الله- ترقد في المستشفى كان يزورها لكنه لا ينسى بقية المرضى، فقد كان يزور من يسمح له الوقت بزيارته وبالأخص من هم بحاجة إلى زيارته، فقد كان حريصا على انتقاء من يزورهم كعادته في إيصال بره لمن يستحقه وهذا فضل من الله عليه به، وكذلك ابتلاء الله له سبحانه وتعالى بفراق من يحبهم هو نوع من الابتلاء والتمحيص وإذا أحب الله عبدا ابتلاه. وعزاؤنا في فقيدة الوطن أم الخير أن الله اختارها إلى جواره في أول يوم من شهر رمضان المبارك وما جاء في الأثر «ألسنة الخلق ألسنة الحق» فلم أر في حياتي من هو أكثر ذكرا بالخير من الأميرة سلطانة -رحمها الله- فقد كان الناس منذ لحظة وفاتها وفي جنازتها وفي العزاء يذكرون ويعدون مناقبها وأعمالها الخيرة. لقد ماتت أميرة الخير، لكنها ستظل حية فينا بمآثرها وبأبنائها الذين ربتهم على كل مكرمة، وستتواصل مسيرتها من خلال ابنتها صاحبة السمو الملكي الأميرة حصة بنت سلمان التي روت لي أمي عنها أنها امتداد لأمها في حب الخير ورجاحة العقل إلى جانب ما نالته من العلم وما تعلمته من قدوة الجميع والدها الأمير سلمان بن عبدالعزيز. اللهم اجعل عزاءنا في فقيدتنا رحمة منك تجلل روحها، وأن تجعل قبرها روضة من رياض الجنة، والعزاء موصول للأمير الإنسان صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ولأبناء الفقيدة أصحاب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان وصاحب السمو الملكي الأميرة حصة ابنة سلمان، وإلى أصحاب السمو الملكي أحفاد وحفيدات الفقيدة وإلى الأسرة المالكة الكريمة وآل السديري جميعا، وإلى أبناء شعبنا بفقيدة كانت حياتها لكل الوطن ورحمة من الله تغشاها في مضجعها الأخير، وإنا لله وإنا إليه راجعون. رئيس مجلس إدارة مجموعة البيان القابضة