ممن تضعهم الأقدار على سدة الحكم وتضع مصير شعوب وأمم معلق بما يتخذونه من قرارات وأفعال، هي التي تظهر مدى صلاحيتهم وملاءمتهم لإشغال المواقع التي آلت إليهم، فالتعامل مع الحالة الحرجة، أو الموقف الذي يتطلب معالجة خاصة تكشف معدن القيادة الحقيقية ولحظة التعامل مع الحقيقة لانتشال البلد الذي تتحمل مسؤولية قيادته مما هو ينحدر إليه. فالقضايا المهمة، وما تتعرض له البلدان من أزمات يكشف المعدن الحقيقي لقيادة تلك البلدان. وسوريا الآن لا شك من أنها تواجه أزمة، وأزمة مصيرية إن لم تعالج بحكمة وبرؤية متبصرة متفهمة لما يحيط بسوريا من متغيرات دبت الفوضى في البلاد، وقد تعصف بها وتمزقها وتجلب لشعبها البلاء والقتل وهو ما أخذنا نشهده، فآلاف الشهداء سقطوا حتى الآن، وبيد من؟ بيد ممن كان يفترض أن يحموا البلاد والعباد رجال الأمن والقوات المسلحة، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحصل في بلدٍ ما. إن الشهداء الذين أريقت دماؤهم والجرحى والمصابين الذين يسقطون يومياً يجعل كل إنسان عربي ومسلم يشعر بتأنيب الضمير إن لم يفعل لوقف هذا النزيف الذي يستهدف أمة وشعباً ويسعى إلى تدمير بلد، ومن هنا جاء نداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، من خلال كلمته الموجهة للسوريين جميعاً شعباً وقيادة. هذه الكلمة التي تجاوبت معها العديد من الدوائر السياسية والإستراتيجية ووجدت فيها صوتاً إسلامياً عربياً صادقاً يرفض المعالجة الدموية التي لجأت إليها القيادة السورية، فبدلا من تحقيق مطالب الشعب السوري المشروعة، ردت عليه بالقتل اليومي وإزهاق أرواح الأبرياء وهو عمل لا يمكن أن يقبل به أي إنسان فضلا عن المسلمين، فما يجري في سوريا ليس من الدين ولا من القيم ولا من الأخلاق، فإراقة دماء الأبرياء لأي سبب ومبررات كانت لن تجد لها مدخلا مطمئنا يستطيع فيه العرب والمسلمون أجمع أن يروا من خلالها بارقة أمل. بارقة الأمل الوحيدة هو تحلي القيادة السورية بالحكمة وأن تتعامل مع شعبها بالحسنى وبالحوار من خلال الإسراع في تطبيق إصلاحات حقيقية صادقة، وكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تذكر القيادة السورية بواجبها وتحثها على أن تسارع في تأكيد جدارتها بحكم شعب حي كالشعب السوري وأن لا تضيع الفرصة التي تكاد أن تفلت إن لم يقتنصها العقلاء في دمشق.