أكثر المتسلحين بالقناعة والمتفائلين بطفولة ناجحة لأطفالهم لا يغفلون أهمية التعامل العقلاني مع مفردات التنشئة الاجتماعية لصغار السن، لأنها تتطلب الدراية العلمية البحتة في تناولها، لما لها من خصوصية وأهمية. وفي سن مبكر يقف التزويد اللفظي من البيئة المحيطة في أول التعاريف المتلقاة، بحيث أن الفرد يجد سرعة بالتعرف على المكون اللفظي أكثر من المكون الفعلي، الأمر الذي يخلق تبايناً في حجم المعرفة التي يختزنها العقل والذهن معاً. والصغار يتطلبون توازناً في تغطية الحاجة اللفظية والفعلية، فمن غير المتكافئ في التلقي أن يقتصر على القيمة اللفظية دون الفعلية في تغذية الشخصية في بدايتها، لأن القيمة لكلا الطريقتين تشكلان أساساً من المدخلات لا غنى عنه. ومن هنا، فإن التعامل التربوي والتعليمي مع الأطفال وتثقيفهم خارج إطار التعليم التربوي النظامي يخلق تحدياً كبيراً، فالأطفال سريعو التأثر بأي شيء مما يتلقونه ومما يقال لهم ويقال، ولا يمكن الاستهانة في مثل هذا الأمر لما له من آثار خطيرة على حياة الأطفال الثقافية والتربوية على الأقل قبل دخول التعليم المدرسي النظامي. وتشكل القنوات الفضائية أداة خطيرة في تشكيل رؤية الطفل عما حوله من خلال ما يسمع ويرى، وبالتالي فإن الفعل سوف يخضع لاحتمالات مختلفة حتمية وليست اختيارية للأسرة أو المربي. ولا شك أن ساحة القنوات الفضائية تسهم بشكل أو آخر في دعم النشء معلوماتياً وتثقيفياً ومهارياً. ومن هنا فالحاجة ملحة لتبني قنوات محلية تستثمر فيها شركات ومؤسسات التعليم والتدريب والتطوير والتنمية والجهات المختصة والمعنية ببرامج الأطفال وتعليمهم. والجميع يعلم حجم واتساع شريحة الطفولة عددياً من قطاع البنية السكانية لأي مجتمع، فطالما أن شركات الألعاب العالمية تغزو متاجر المحلات بكل شيء جديد صالحة وطالحة، فلماذا لا نغزو عقول أطفالنا تربوياً وتعليمياً بما يفيد ويضيف ويسهم في تنشئتهم التنشئة الصحيحة والسليمة التي تتوافق مع معتقداتنا وديننا وسلوكياتنا، وعقولهم لن تكون عصية علينا. فليتكاتف الجميع حتى لا يغترب أطفالنا عنا وهم في أحضاننا فيتحدثون بلغة وإشارة لا نكاد نفهمها وتؤثر في سلوكهم وتعاملهم مع معطيات الحياة اليومية، وحتى لا ننعزل عنهم وتزداد الفجوة هوة وعمقاً. (*)جامعة الإمام - وكالة الدراسات والتطوير