يقال إن ثمة قناة إخبارية، ممولة من إيران وحزب الله، ستنطلق أو هي انطلقت من بيروت. القناة يُديرها ويشرف عليها المذيع السابق في قناة الجزيرة (غسان بن جدو). في ظني لن تكون هذه القناة بأفضل من (قناة المنار) التابعة لحزب الله أو (قناة العالم) الإيرانية الناطقة بالعربية، اللتين تمولهما إيران أيضاً، سوى أن مذيعيها كما يقولون لن يلتزموا بعدم لبس الكرافات كما يفعل الإيرانيون ليثبتوا حياديتهم؛ ما عدا ذلك فلن يكون ثمة جديد. غاب عن ابن جدو على ما يبدو أن هناك كماً كبيراً من الخلاف الثقافي المتراكم بين العرب وإيران، هذا الخلاف يستمد قوته ونفوذه وتجذره، وربما شرعيته، من علاقة متوترة بين القوميتين العربية والفارسية تمتد لأكثر من ألف عام، وهذا الحاجز الثقافي أحياه، وأعاد إليه الروح مُجدداً، سياسات إيران، ودعمها (الطائفي) وبوضوح لكل الأنظمة، أو الحركات، الشيعية الطائفية في المنطقة؛ كنظام أبناء الأسد في سوريا، أو حزب الله في لبنان.. وعلى ما يظهر لم يدرك ابن جدو مدى عمق هذه الحساسيات الطائفية في ذهنية أبناء المشرق العربي، وظنَّ أن بالإمكان تجاوزها، والرهان على تفاديها من خلال الموضوعية والحيادية إن هو وقناته انتهجوها؛ غير أن الواقع يقولُ شيئاً آخر، ويؤكد أن الحاجز الطائفي والقومي والتاريخ سيبقى عائقاً تجاه أي قناة أو فعالية ثقافية أو إعلامية أخرى، لا تراعي مثل هذه الحساسيات، حتى وإن افترضنا (جدلاً) حياديتها وموضوعيتها. كما أن الممول - كما هو متوقع - لن يعطي قناة ابن جدو مساحة كافية من الحرية لإثبات صدقيتها ومهنيتها، أكثر مما يعطيه لقنواته الأخرى. فلن يستطيع ابن جدو في قناته - مثلاً - طرح وجهة النظر الإيرانية الأخرى التي تنتقد ممارسات إيران (القمعية) في الداخل، وتسلط أفراد الحرس الثوري على توجيه القرار بالحديد والنار، كذلك لن تتطرق لديكتاتورية (الولي الفقيه) التي تُسكِت كل من يدّعي أن إيران (دولة ديمقراطية)، طالما أن صاحب القرار فيها يبقى على كرسي السلطة حتى الموت؛ كما لن يستطيع ابن جدو أن يتحدث بحيادية عن معدلات الفقر، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الإيراني، وهي التي أدت إلى تآكل شرعية نظام الولي الفقيه في إيران الآن، واتسعت في المقابل أعداد من يطالبون بإسقاطه من الإيرانيين. أما موقفها من النظام السوري فلن يختلف عن موقف قناتي العالم والمنار حتماً؛ فغسان بن جدو نفسه كان قد ظهر على قناة (دنيا) الفضائية السورية، ودافع عن نظام أبناء الأسد بنفس المنطق المتهالك الذي يمارسه حلفاء سوريا في لبنان، والذي يستمد حججه من نظرية (المؤامرة) التي لم تعد تقنع حتى عجائز سوريا، فضلاً عن أطفال العرب؛ فأيُّ حيادية وموضوعية وصدقية ننتظر من قناته وهذا مستوى خطابه الإعلامي؟! حزب الله - أيضاً - الذي ستولد هذه القناة من رحمه يمر الآن بأسوأ أوضاعه السياسية على الإطلاق. محكمة قتلة الحريري الدولية تحاصره من كل جانب، وحلفاؤه في لبنان بدؤوا يعيدون حساباتهم في تحالفهم معه، خصوصاً وأن حليفه النظام السوري يترنح وفي طريقه للسقوط؛ وشعبيته في لبنان وفي المنطقة تضاءلت بشكل حاد بعد موقفه المساند لقمع أبناء الأسد للسوريين؛ فلم يعد حسن نصر الله ذلك الخطيب المفوَّه، والزعيم الساحر، الذي تصغي له الآذان، وتلتفت له الأنظار، وتشرئب إليه الأعناق، كلما اعتلى المنبر خطيباً كما كان قبلاً؛ فكيف سيصلح ابن جدو ما أفسده الزمن، والعلل والأزمات والظروف تكاد تخنق (البطل) صاحب الصولات والجولات، لتحيله إلى نمر من ورق؟ رياح المنطقة العاتية، والبحر المتلاطم بالأمواج، والتغيرات الإقليمية، تجعل مهمة ابن جدو غاية في الصعوبة إن لم تكن مستحيلة. إلى اللقاء.