أستغرب لماذا نفكر دائماً في التحايل على القانون، ونعتبر المحتال على الأنظمة والقوانين «ذيب»، بينما مَنْ يتبع القانون ويحترمه لا يخرج عن كونه «صحيّح» أي «لك عليه»، وربما يشتمه البعض الآخر بإطلاق صفة «صدوق» عليه، فحتى الصدق أصبح في هذا الزمن مسبّة! حين تكسر النظام وتأخذ حق غيرك فأنت «ذيب»، حين تتحايل على أنظمة البلاد فأنت «ذيب»، حين تخدع وتراوغ وتتحدى فأنت «ذيبان» الذي لا يقف في طريقك شيء، وكأن ثقافتنا الصحراوية ومفرداتها لم تفارقنا قط، وفكر الغزو والنهب والسلب والأخذ هي ما يجب أن تميز الرجال من غيرهم. قد لا تكون الأنظمة لدينا والقوانين قاسية إلى حد أن تربّي المواطن، وتعلّمه كيف يحترم القانون ويحارب لأجل إقراره وتطبيقه حتى على نفسه، لكن الأمر يختلف حينما يسافر شبابنا إلى بلدان خارجية، حيث القانون وسيادته تفرض على الجميع دون تمييز، فلا تفيد ثقافة «الواسطة» و»الفزعة» هناك، وهذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية، حيث تورط عدد من السعوديين في الإمارات بارتكاب مخالفات مرورية بعد حجب أرقام لوحات سياراتهم، في محاولة منهم للتحايل على النظام المروري هناك، والنظام هناك يحمّل من يخدع كاميرات المراقبة المرورية بإخفاء لوحات سيارته بدفع غرامة قد تصل إلى 25 ألف درهم إماراتي. فأن يقوم النظام المروري هناك باحتجاز سيارات هؤلاء البالغ عددهم 28 مواطناً، وسحب جوازات سفرهم، بانتظار النطق بالحكم، هو تطبيق للقانون لا أكثر، لا محاولة التضييق على السعوديين كما حاول البعض تفسيره، فأي دولة لا تسعى إلى كسب المزيد من السياح، ومن بينها الإمارات طبعاً؟ فالسعوديون من أهم الجنسيات التي تدعم السياحة هناك، ولكن على ألا يقوموا باختراق النظام والقانون، وهذا هو المهم. أنا لا أعرف لماذا نتفنن بالتحايل على النظام، إلى درجة أن يقوم شبابنا بفك لوحات سياراتهم والادعاء بفقدانها، والتبليغ عن ذلك. ولأن النظام المروري لدينا يمنح من يفقد لوحاته - طبعاً بسبب سرقتها مثلاً، لا التدليس والتحايل بإخفائها - ورقة تسمح له بالسير لمدة خمسة عشر يوماً، لحين استخراج لوحات بدل فاقد، فخلال هذه المدة القصيرة يمارس فيها الشاب كل أنواع المخالفات المرورية من سرعة جنونية وقطع إشارات وما شابه ذلك؛ لأنه بلا لوحات ولا هوية، وكنت أتمنى أن يتم احتجاز السيارة طوال هذه المدة لحين استخراج لوحات بديلة، أو منحه لوحة مؤقتة مع غرامة معقولة؛ كي لا تتكرر هذه الأعمال المشينة. وربما هناك العديد من الحيل التي يفعلها هؤلاء هروباً من احترام الأنظمة، فلماذا نكره النظام ولا نحترم القانون؟ لماذا لا نؤمن بأن هذه الأنظمة لم توضع من قِبل الدولة إلا للحفاظ على سلامتنا؟ لماذا لا نفهم أن القانون ينظم حياة الإنسان وإلا تحولنا إلى قطيع يأكل فيه القوي الضعيف؟ قد يقول البعض: أي قانون يا عم، وهو قانون يطبق على الصغير لا على الكبير، وعلى الضعيف لا على القوي؟ وأقول: هذا صحيح، لكن علينا أن نحترم القانون أولاً، ونطبقه على أنفسنا، ثم نقف في وجه كل من يحاول اختراقه مهما كان، ونطالب بمحاكمته، فنحن لن نتقدم طالما أننا نوجِد لأنفسنا الأعذار كي نخالف بحجة أنه لا قانون إلا قانون الواسطة والشفاعة، ولن نتطور طالما أن «الذيب» هو مديح الشخص المتجاوز للأنظمة!