يوم الأربعاء الموافق 15-6-1432ه كان يوماً حزيناً على الجزيرة العربية.. بل امتد الحزن إلى أطراف الوطن العربي.. عندما سرى الخبر مع الركبان بوفاة فقيد الكلمة والشعر واللغة والتراث الأدبي والشعبي والراصد لجغرافية بعض مناطقنا المكانية.. العلاَّمة عبدالله بن محمد بن خميس، وأن رحيل هذا الإنسان العظيم يعتبر خسارة كبيرة لمجتمع الفكر والآداب فهو من قادة التنوير والتجديد في مجال صناعة الأدب والثقافة من خلال قلمه الذي سار مرافقاً له ليدون كل ما هو مفيد عبر الأوراق والمذكرات.. وتحولها المطابع إلى كتب ومراجع تقف في مكان مميز بكل مكتبة خاصة وعامة.. وهذا القلم العظيم واصل المسيرة ولم يركن إلى الخمول والكسل واستطاع أن يضع أمامه خارطة طريق ثقافية وأدبية.. ويركب الصعاب ويكتب ويدوّن كل شاردة وواردة في هذه الجزيرة العربية.. وكأنه في رحلة جهاد ثقافية وأدبية.. انتصر فيها بالرغم من الظروف الصعبة والإمكانات المحدودة، وكان له ذلك بالإرادة والعزم والتصميم بعد توفيق الله، ابن خميس الذي لم يتهيّب ركوب الصعاب كان رفيع الهمة صاحب هدف ركب الإبل وتجول في الصحراء فتوسعت دائرة معلوماته بالأماكن الجبلية والصحراوية والهضاب والوديان والواحات.. فأهدى المكتبة العربية عشرات المعاجم والكتب وقد ربط التراث الكلامي بالمكاني.. فكانت إضافة جميلة إلى تراث وجغرافية ابن الوطن. لقد كان الفتى ابن خميس يتعلّم من خلال محطات عديدة كل محطة كان لها إضافة إيجابية ووقفة (ممتعة.. فمن محطة والده الأولى وتأثره به إلى كتاتيب الدرعية وكيف تعلم مبادئ القراءة والكتابة ثم زيارة الرياض على فترات.. أما محطة حائل فكانت العلامة الفارقة التي اكتشف هذا الفتى نفسه وحظي بدعم من صاحب المدرسة (سليمان السكيت) ليعود ويلتحق بجهاز تحصيل الزكوات متنقلاً في الصحارى والفيافي ويرافق الملك عبدالعزيز في بعض رحلاته.. كل ما سبق جعل ابن خميس يختزل هذه الثقافة والتجربة في فكره وتكون عنصراً مساعداً على بحثه واطلاعه.. ولا يزال ابن خميس الشاب اليافع لا يعرف اليأس ولم ينته طموحه فواصل رحلة طلب العلم بعيداً عن مسقط رأسه.. وحاول جاهداً حتى أقنع والده بالسفر إلى دار التوحيد بالطائف.. وكانت الصدمة الأولى بعدم قبوله من قبل مدير المدرسة (البيطار) ليطلب الشفاعة لدى الشيخ الخليفي فكانت شفاعة خير تم قبوله وافتتاح قسم تمهيدي لنيل الشهادة الابتدائية.. وأكمل رحلة الكفاح حتى اجتاز المرحلة الثانوية.. ومن ثم الدراسة في كلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة.. وبعد هذه الرحلة الطويلة والشاقة في سبيل طلب العلم تفرغ ابن خميس لمرحلة الإبداع والتنوير فبعد عودته من الحجاز توجه إلى الأحساء ثم الرياض ليتولى مناصب إدارية لم تكن هي الغاية ولكن كان الطموح عظيما فزرع بذرة إعلامية جديدة في عام 1379ه أطلق عليها (مجلة الجزيرة) والتي واصلت الصدور شهرية ثم أسبوعية حتى أصبحت صحيفة يومية ومنارة للفكر والإبداع وصناعة إعلامية متميزة في سماء الفضاء الكبير. ثم اتجه قلم العلامة ابن خميس بعد هذه المحطات السابقة لينشر ويوثق ويدون إبداعه من خلال الحروف والكلمات والمقالات المسموعة والمرئية والمكتوبة وعلى ضوء هذه الرحلة الثقافية الطويلة أهدى لنا مؤلفات أثرت المكتبة العربية والمحلية ومنها المجاز بين اليمامة والحجاز، الشوارد، بلادنا والزيت، راشد الخلاوي، شهر في دمشق، معجم اليمامة، على ربى اليمامة، من جهاد القلم، أهازيج الحرب، وشعر العرضة، الدرعية العاصمة الأولى، تاريخ اليمامة من القائل، معجم جبال الجزيرة.. وغيرها من المؤلفات التي لا تختزلها الذاكرة فهذا الأستاذ العَلَم لم يدع فرصة لقلمه أن يستريح فكان قلماً يطرق جميع الأبواب والفروع الأدبية والثقافية فلا نعرف كيف نصف هذا الرجل هل هو الشاعر أم الأديب أو المؤرخ وقد يصنف بالراوي والناقد.. لذا كان له شرف العضوية والمشاركة في العديد من المجلات والمجالس والمجمعات واللجان داخل الوطن وخارجه ونال العديد من الجوائز الدولية والتقديرية.. وعزاؤنا لأسرته وللوطن.. ولكنه قبل وفاته ترك ثروة علمية ستبقى بعد رحيل الجسد منارة جميلة ومصدرا للهداية الأدبية والثقافية والتراثية. وختاماً نقول: نِعم الرمز كنت!! ونِعم الأديب أنت!! رحيلك خسارة للوطن رحمك الله وأسكنك فسيح جناته!! رشيد بن عبدالرحمن الرشيد - الرس