كثير من الصحفيين وقيادي تحرير الصحف المحلية لا يكترثون بأهمية الأدب في الحياة العامة، بل يعتبر بعضهم أن الأدب والثقافة عموماً هي من سقط المتاع التي لا قيمة لها في الحياة، وبالتالي لا يجب أن تفرد لها الصفحات، رغم أن معظم مؤسسي صحفنا هم من الأدباء الرواد الذين صنعوا الأدب والصحافة والنشر في بلادنا. تذكرت ذلك بعد أن أعلن مطلع هذا الأسبوع فوز الروائي اللبناني الفرانكفوني أمين معلوف بنتيجة اقتراع أعضاء الأكاديمية الفرنسية كي يصبح عضواً فيها، ويحل مكان المفكر الفرنسي الراحل كلود ليفي - ستروس، وهو أمر مشرف جداً له، ولبلده لبنان، رغم أنه اسم كبير منذ عمله المبكر «ليون» الإفريقي، الذي أحدث مفاجأة وحقق له شهرة كبيرة في فرنسا والعالم، ثم أتبعه ب»صخرة طانيوس» و»سلالم الشرق» وغيرها. هذا الروائي سيكون صوتاً مهماً في الأكاديمية، كجسر بين ثقافتين مهمتين، الثقافة العربية والثقافة الفرانكفونية، وهي لحظة تاريخية أن يأتي من بيننا من هو فخور بثقافته وفاعل فيها، ورغم أنه يأتي إلى الأكاديمية الفرنسية بعد الجزائرية آسيا جبار، إلا أنه حاضر عربياً بصوته وحواراته وترجمات رواياته، على عكس آسيا جبار، وهو أيضاً يأتي ثانياً في حصوله على الجائزة الفرنسية العريقة «غونكور» بعد المغربي الطاهر بن جلون، لكنه يختلف عن هذا الأخير أنه لا يذهب بالأدب إلى الإكزوتيك، البحث عما ينتظره القارئ الغربي من الأدب العربي من حيث الغرابة وفضاء ألف ليلة وليلة، بل قدم صوته وأدبه بشكل خاص، حتى أصبح عضواً في واحدة من أكثر أكاديميات العالم عراقة، تلك الأكاديمية المختصة باللغة الفرنسية، وهو اللاجئ الذي اضطرته الحرب الأهلية في لبنان منتصف السبعينيات من القرن الماضي إلى الهجرة إلى فرنسا، فلم يذهب كما يفعل معظم العرب المهاجرين، في الانخراط في مجموعات وحروب وضغائن صغيرة، بل صنع مجده بدأبه ووعيه وثقافته الواسعة. هكذا إذن تصبح الآداب والفنون سفيرة للبلدان أكثر مما تفعل السياسة والصحافة والميديا بأكملها، حيث الأدب والفن يتسلل بهدوء وروية إلى قلوب الناس، فكم من رواية -على سبيل المثال- صنعت عالماً فذّاً لبلد ما، وجعلت العالم يلتفت بشغف إلى هذا البلد أو ذاك، بمجرد قراءة عمل أدبي، هكذا فعل معلوف حينما قدّم لبنان بكل أحزانه وتناقضاته وتاريخه، وهكذا يفعل غيره من اللبنانيين كإسكندر نجار صاحب «دروب الهجرة» وحنان الشيخ وهدى بركات ربيع جابر وغيرهم، وكما فعل قبل ذلك نجيب محفوظ وجيل الستينيات في مصر، وكما فعل الطيب صالح وغيره من المبدعين العرب. ما أردت قوله، هو أنه لا يعني فشل معظم الأندية الأدبية في تقديم أدب مؤثر، وفشل معظم صفحات الأدب والثقافة في صحافتنا في تقديم أدب مقروء، وفشل معظم ناشرينا في صناعة ونشر حركة أدب فاعل في المجتمع، هو فشل للأدب عموماً، بل إن تاريخ الأدب يثبت أنه الأقدر على تخليد لحظات المجتمعات التاريخية والتعريف بها، أكثر مما تفعله كتب التاريخ نفسها.. بل إن الآداب والفنون عموماً تغذي الروح وتهبها محبة الجمال والاحتفاء به والبعد عن التطرف في الرؤى والأفكار، فلنمنح الأدب ما يستحق من انتباه!