إنّ الغاية العظمى التي أُوجدت من أجلها المدارس هي بناء الطالب والطالبة فكرياً وثقافياً ومهارياً واجتماعياً؛ لإنتاج أجيال واعية ومؤهلة, قادرة على مواجهة تحديات الحياة المختلفة, والمساهمة الفاعلة في بناء المجتمع. وفي السابق كانت المدارس تستخدم الطرق التقليدية في التعليم, حيث كانت العملية التعليمية تنحصر داخل جدران الفصل الدراسي, مهملةً دور الأنشطة اللاصفية, مع تغييب كامل ومتعمّد لدور الأسرة كشريك رئيسي في العملية التعليمية بما كان لخلل في التنظيم أو لعلم المسؤولين ان أولياء الأمور في السابق غالبيتهم أميين لا يستطيعون مساعدة أبنائهم. وكان المنهج الدراسي يعتمد على تقديم المعلومة مباشرة, حيث يقوم المعلم بصبها في آذان الطلاب بطريقة التلقين والوعظ والنصح من غير أن يكون للطلاب أي دور تفاعلي يذكر. وكان الضرب أحد الأساليب التربوية التي كانت سائدة في المدارس حتى وقتٍ قريب. فالطالب الذي يهمل في حل واجباته, أو يتعدّى على معلمه أو أحد زملائه, أو يشاغب داخل الفصل أو خارجه, يقوم المعلم - وأحياناً مدير المدرسة - بضربه إما أمام زملائه في الفصل, أو حتى أمام جميع طلاب المدرسة, ليكون عبرةً لمن يعتبر. وكان كل ذلك يتم بمباركة من ولي أمر الطالب الذي كان لسان حاله يقول (لكم اللحم ولنا العظم) أي أنه يعطي للمدرسة كامل الحرية في ضرب ابنه حتى يصبح «عظماً» إذا استدعى الأمر ذلك! ولا شك أن الضرب «بحكمة» دون أن يكون «مبرحاً» يُعَد وسيلة ناجحة في التربية عندما تستنفد جميع الوسائل التأديبية الأخرى. إلاّ أنّ هذه الوسيلة التربوية كانت سبباً في إحداث العقد النفسية لبعض الطلاب, وتبغيضهم في العلم والتعليم, إلى جانب إحداث العاهات المستديمة للبعض الآخر! وكل هذا كان بسبب الاستعمال «المفرط» و»غير المقنن» للعصى والفلكة.... ولكن في الوقت الحاضر شددت وزارة التربية والتعليم على منع جميع مظاهر العنف والإيذاء ضد الطلاب: من ضرب أو استخدام ألفاظ جارحة أو الطرد من الفصل أو الإيقاف في الممرات أو الحرمان من الفسحة أو التهديد بخصم الدرجات وغير ذلك من أساليب العقاب. ونتيجة لذلك أصبحنا نرى بوضوح تنامي ظاهرة «انفلات الطلاب» مع ما يصاحبها من تراجع «لهيبة المعلم» الذي قال عنه الشاعر يوماً: قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا فالمتابع للساحة التعليمية اليوم يلحظ أن الوزارة أصبحت تكثر من «تدليع» الطلاب والطالبات, ليس بسبب منع الضرب والعقاب فحسب؛ بل بزيادة أوقات الأنشطة اللاصفية على حساب الحصص الدراسية؛ والتي تشمل الرحلات الخارجية والمعسكرات الكشفية والمسابقات الثقافية والرياضية والزيارات الميدانية والمعارض الفنية, والتي تعني لبعض الطلاب «إجازة غير رسمية»! ولا ننسى كذلك الأيام المفتوحة والحفلات المتنوعة, والتي لا تخلو من أصناف الطعام والشراب, وكأنّ ملء البطون يوازي أو «يزيد» أهمية على ملء العقول! نحن لا ننكر أهمية الأنشطة المدرسية, خصوصاً إذا ما تم ربطها بالمنهج الدراسي (حيث إن الطالب يفهم 10% مما يقرأ و20% مما يسمع و30% مما يشاهد و50% مما يسمع ويشاهد و70% مما يقول و90% مما يعمل)، ولكن من المهم أن لا تطغى هذه الأنشطة على وظيفة المدرسة الأساسية وهي «التعليم والتربية»... وأخيراً يبقى الماضي جميلاً بشخوصه، وتفاصيله، وذكرياته، وأحلامه، وطموحاته، وعصاميته. هذا الإرث، كان الجسر الذي عبرنا من خلاله إلى حاضرنا المعاصر، وهو ما كانت عليه مسيرة التعليم بقسوته وجبروته. ومن صور الماضي نريد صورة جديدة تبلور العلاقة بين الطالب والمعلم. لا نريد العصى أن تكون السائدة بما أحدثته من رعب وخوف، ولا نريد موائد الجريش والقرصان ليحملها الطالب بشكل مستمر بما يسمى اليوم المفتوح والإفطار الجماعي، بل نريد تعليماً تربوياً يجعل من المدارس ورش عمل يستفيد الطالب ويفيد من حوله من خلال البحث والمناقشة. - مكتب شقراء