يصف المربون الخبرات غير المقصودة التي يتلقاها المرء ب»الخبرات الخفية»، تلك التي هي أيضا في بعض تعبيرهم «غير المباشرة»، .. تكون مصادرها سلوك الآخرين، الذين يتحركون في محيطه، يتفاعلون معه.., أو يعبرون به، ولكنهم بشكل، وبآخر هم مؤثرون في أولئك المتلقين عنهم خبراتهم, بحيث تنتقل عنهم بحيث يجد المرء أنه يتعامل معها في سلوكه، ويستخدمها في حركاته وأقواله.. هذه الخبرات غير المقصودة، هي في بعض أوجهها سالبة، بينما هي ليست جميعها غير مجدية، فالآباء الذين يقومون أمام أبنائهم تلقائيا، بأداء الصلاة في أوقاتها، والذين يحرصون على التعبير أمامهم بلغة حديث مطهرة من البذاءة، وبأصوات خافتة، ويحرصون على صلة الرحم، وأداء الواجب مع الجار, والقريب، وعدم نهر الفقير المحتاج, عندما يحدث أن يتعرض للسؤال، والذين يحرصون على التأدب مع الآخرين، هؤلاء الآباء ينقلون سلوكهم، لأبنائهم بطريقة غير مقصودة، ويؤثرون فيهم بحيث يصبح الأبناء على خطى الآباء، ويوسم هؤلاء الأبناء بسلوك آبائهم «فهذا الابن هو ذلك الأب».. بينما على النقيض، يصبح الأبناء في غياب هؤلاء الآباء, كالذي يعلو صوته بالنهر, والصراخ، يتذمر من القريب، ويتأفف من الفقير، لا يصل الرحم، ولا يلفظ بالحسن، لا يحرص على الصلاة، ولا مكارم الأخلاق،.. فماذا يمكن أن يصبح عليه من يتلقى في مواقف يومية خبراته عن هذا الأب..؟ أليس هذه هي القدوة..؟ إذن فالخبرات غير المباشرة، أو الخفية، أو غير المقصودة، هي التي تتسلل من شخص لآخر, عند تأثير أحدهما في الآخر,.. وغالبا ما يكون المؤثر، هو الأقوى بعوامل تأثيره، كالأبوين، والمعلمين، والسن, وغلبة السطوة، والسلطة، والقيادة، والقرار.., والفكر.., فهؤلاء هم القدوة الأشد تأثيراً، في انتقال ما لديهم للآخر.., من تلك الخبرات التي يتلقاها المرء، بشكل مباشر، ومقصود، فينتقي منها، وهو يمكنه أن يتحكم في الذي يأخذه منها.., والذي لا يفعل.. حين يعلم الكاتب أنه عنصر مؤثر في قرائه، والأخ المحبوب في إخوته، والأب القريب في أبنائه، والمدير صاحب القوة، والقرار في تلامذته، أو موظفيه، والصاحب الموثوق فيه, في صحبه، ومريديه, وكل من له مساس بمجرى حياة الأفراد، من القريبين منه, والمحتكين به, في المواقف.., حين يعلم كل هؤلاء كم من الأثر, سوف يتركونه بصمة في سلوك أولئك، ممن يتأثر بهم, وينهج نحو أفكارهم، أو أقوالهم, أو سلوكهم, أوأخلاقهم، أو مواقفهم،.. هل سوف يدركون مسؤوليتهم عن الخبرات غير المقصودة التي يتلقاها أولئك عنهم..؟ وما الذي يحبون أن يكونوا فيه قدوة مؤثرة في غيرهم..؟