جاء تأسيس المملكة العربية السعودية في دورها الثالث على يد الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - لمواصلة المسيرة الخيّرة التي سبقته في الدورين اللذين قام بهما آباؤه وأجداده الذين جعلوا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة دستوراً ومنهاجاً لهم، فحاربوا الضلالات الضاربة بأطنابها في بعض البلدان، فتطهرت هذه الأرض من الشركيات، فعادت العقيدة صافية كماكانت في القرون المفضلة، وأخذوا على عواتقهم نصرالدين فنصرهم الله ومكنهم في الأرض قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) محمد آية 7، فنصر الدين سرٌ من أسرار البقاء والتمكين في الأرض وتحقيق لوعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم في الأرض كما استخلف من قبلهم، ويمكّن لهم دينهم الإسلام الذي ارتضاه لهم، ويبدل خوفهم أمناً، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} النور 55، قال ابن كثير: «هذا وعد من الله لرسوله- صلى الله عليه وسلم- بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد» انتهى. وفي الالتحام بين ولي الأمر ورعيته دلالة على أن الجامع المشترك يكمن في الاعتصام بالكتاب والسنة اللذين فيهما العدل والإنصاف والصلاح لكل زمان ومكان، والسعادة والطمأنينة، والأمن من الخوف، فالملك المؤسس تربع على مساحة شاسعة من أرض الجزيرة العربية وبسط نفوذه ورسم الحدود عليها بتوفيق من الله وتسديد، وواصل تلك المسيرة أبناؤه البررة من بعده، الملك سعود والملك فيصل، والملك خالد، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمهم الله جميعاً -، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولم يزل التطور والتقدم جارياً في تلك العهود الموصولة بالعهد الزاهر الميمون الذي نستظل بظلاله الوارف من ستة أعوام قضت، والتي شهدت إنجازات أسعدت المواطنين ولامست حوائجهم، وأسست لمستقبل مشرق لهذا الوطن وأبنائه. وأبناء الوطن في تلك الأعوام الست حظوا بالرعاية الكريمة ولامسوا عطف الأبوة المتجسد في الملك المفدى الذي قرب من شعبه بقلبه وفعله قبل نطقه ولسانه في أفعال وكلمات تصدق بعضها بعضاً، هي دليل على حبه العميق لأبنائه المواطنين، فما أمضاه من قرارات صبت في صالح المواطن المتعطش لما يرفع من مستواه المعيشي ابتداء من تأمين المساكن اللائقة التي تغنيهم عن استئجار بيوت يأوون إليها، فرفع قرض الصندوق العقاري إلى خمسمائة ألف ريال، وأمر بإنشاء مدن سكنية يراعى فيها التوزيع العادل بين مناطق المملكة المباركة، كما حظي التعليم نصيباً وافراً من اهتمامه فأسست كثير من الجامعات لاستيعاب أعداد الطلاب المتزايدة عاماً بعد عام لأجل رفع المستوى التعليمي لأبناء الوطن.. وما جرى من اهتمام بالغ بالجانب الصحي للمواطن لينال حظه من الرعاية الصحية الكريمة، وذلك بإنشاء المدن الطبية والكليات الطبية التعليمية، فكل هذه الإنجازات ستسجل في التاريخ ليتعاقبها الأجيال في المستقبل، وفي المجال الدولي تجد المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين في الأعوام الأخيرة تحتل مكانة دولية كبيرة جعلت منها فاعلاً مهماً في جميع النواحي خصوصاً النواحي السياسية والاقتصادية التي حدث لها من الاضطرابات والقلاقل ما حدث، وبفضل الله أولاً ثم بفضل القيادة الحكيمة لم تتأثر بما تأثر به غيرها، وما حملت الأوامر الملكية هذا العام من البشائر ما يعود نفعه للصالح العام، فكم أفرحت من محزون، وكم فرجت من مكروب، وكم أزالت من ضيق، فله منا الدعاء بالسداد والتوفيق وأن يبارك في عمره وعمله، وأن يعز به الإسلام وأهله ويذل به الشرك وأهله، وأن يحفظ به حمى الدين، وأن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة وأن يرزقنا شكر نعمه التي لا تعد ولا تحصى. خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)