لو رتبنا دول العالم بحسب تقدمها الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة ونسبة عدالة توزيع الثروة بين مواطنيها لاكتشفنا أن ترتيبها يتناسب طردياً مع مدى اختفاء الاحتكارات القانونية والفعلية في شؤونها الاقتصادية، وبالتالي مدى حرية عمل قانون العرض والطلب لديها. والسبب هو أن الاحتكار يشوه الاقتصاد ويبدد الثروات ويوجه الموارد الخطأ نحو المجال الخطأ، ويُهدر الميزات التنافسية، وينسج غلالة قاتمة تحجب سوء الإدارة وانخفاض الكفاءة وربما، بل وغالباً، الفساد. ومع أن المملكة تبنت حرية الاقتصاد في مرحلة مبكرة جداً، منذ أن كانت هذه الحرية تُُعد رجعية ووصمة عار، إلا أن الاقتصاد السعودي لا يزال يعاني من قيود قانونية شديدة، إضافة إلى احتكارات فعلية ملموسة. فقطاع النفط والغاز، الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد السعودي، محتكر بالكامل من شركة واحدة، لا مُنافس لها، تحتكر أنشطة استخراج النفط وتكريره ونقله وتسويقه، وتحتكر أيضاً كل الأنشطة المرتبطة بالغاز. وبالإضافة إلى هذه الأنشطة ذات المصالح المتعارضة فيما بينها، بدأت الشركة أخيراً تزحف تدريجياً نحو صناعة البتروكيماويات ثم أخيراً نحو المقاولات الإنشائية. وقطاع البنوك، القطاع الاقتصادي الثاني من حيث الحجم، يعاني من احتكار تنظيمي، وليس قانوني، حمى من المنافسة عدداً قليلاً من البنوك المحظوظة ودللها وأغدق عليها الموارد العامة. وقطاع الاتصالات، ثالث أكبر القطاعات حجماً، يُعاني أيضاً من أسوأ ما في التدخل الحكومي من عيوب: فقد حُرم من نعمة المنافسة، وأُرهق بالرسوم، وأثقل بالتنظيم المُثير للجدل. ولأن كان القطاع الرابع من حيث الحجم، قطاع البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة، يتمتع بحرية المُنافسة في منح التراخيص، إلا أنه يُعاني أيضاً من سوء التنظيم، الذي يُحابي الشركات الكبيرة، ويدعم بطريقة غير مقصودة شركات البنوك والشركات الأجنبية. وأخيراً فإن قطاع الخدمات الصحية، الذي قد يُمثل القطاع الخامس في الحجم، مُحتكر من قبل الأطباء الذين نجحوا في تمرير أنظمة تجعل هذا القطاع حكراً عليهم، بالرغم من أن الطبيب لم يتعلم أو يتدرب أبداً ليكون رجل أعمال أو مُديراً. هذه خمسة أمثلة كبيرة من الاحتكارات القانونية أو شبه القانونية. أما على صعيد احتكارات الأمر الواقع، مثل الكارتيلات والتكتلات ونحوها فهناك من يتهمها بالمسؤولية عن ارتفاع أسعار العديد من السلع الحيوية، كالأرز والسكر والعير والإسمنت. قبل مئة سنة تقريباً كتب رجل القانون والاقتصاد الأمريكي اللامع (لويس براندي): «طالما بقيت هذه الاحتكارات فإن تعدديتنا العريقة وحريتنا وطاقاتنا التنموية الفردية ستكون في خطر كبير وقد تنتهي». وقبل ذلك بألف وثلاثمائة سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُحتكر ملعون».