حين تتوفر الإرادة والعزيمة والصدق والإخلاص مع وضوح الغايات ونبل الأهداف يكون العطاء على غير مثال سابق، يشهد لهذه الحقيقة ما تشهده الساحة العلمية في وطننا العزيز من حراك علمي معرفي لم يسبق له مثيل، فما أن يجف حبر مؤتمر عالمي، أو ندوة فكرية، أو ملتقى علمي، أو حلقة نقاش معرفي تشهده قاعات المعرفة في جامعاتنا ومراكزنا العلمية والمعرفية، حتى تخط الأقلام نتائج وتوصيات مؤتمرات مماثلة في بقاع ومراكز أخرى من الوطن الغالي، وهذا لأيم الله حالة صحية ونهضة علمية مباركة خطها بإخلاص قادة وعلماء، وخطط لها برزانة وإتقان أنامل خطَّت شعاراً خالداً يقول: «يداً بيد.. عقيدة ووطن». وحين تنطلق كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، راسخة القدم، وقد تزينت بتاج الوقار، وتأبطت القرطاس والقلم، فإنها تنطلق على بصيرة بواقع الأمة، وهي ترنو إلى القادم من الزمان وإنسانه المشبع بالعولمة والثقافة التي تخترق كل حاجز، لتجمع لفيفاً من أساطين المعرفة الراسخين، ورواد الاستنباط الحافظين لكتاب الله، وقيادات الأقسام العلمية في الجامعات السعودية، ليتدارسوا مستقبل أقسام القرآن الكريم، وسبل توثيق العلاقة العلمية بينها والتبادل المعرفي، والتنسيق والتعاون، ومدارسة ما يأمله المختصون من أهل العلم ليكونوا أداة فاعلة في توثق عرى التكاتف والتعاون والترابط بين أفراد المجتمع القائم أساساً على منهج حكيم ودستور راسخ عظيم من كتاب الله وسنة نبيه العظيم، فإن الكلية تدرك إذا المسؤولية العظيمة التي أوكلت إليها من لدن القيادة الحكيمة، وتدرك أن ربان سفينتها في الجامعة معالي مديرها الموفق قد ركن إلى القائمين على شؤون الكلية رسم المستقبل المأمول الذي ينتظر منهم في ظل عصر يشهد متغيرات كثيرة معرفية ومسلكية، تستدعي حضوراً فاعلاً للمناهج الربانية والشرائع السماوية التي تضبط هذه الثورة المعرفية المنفلتة في أحايين كثيرة، وفي عالم سريع الإيقاعات والخطى، ونعتقد أن القائمين على أقسام القرآن يدركون هذه الحقائق إدراكاً حقيقياً، وأن تقوية محالات التواصل بين الأقسام أضحت ضرورة للتعرف على احتياجات البشرية، وعلى التجارب الناجحة لدى الآخرين بقصد الإفادة منها لتحقيق المتطلبات، وبقصد إيجاد الحلول للمشكلات التي أفرزتها ثقافة عصر الآلة، ومن ثم إيجاد السبل الكفيلة للترقي بالطموحات وتحقيق الآمال.. ونعتقد أن من أهم ما يلزم تداوله والتحاور حوله في مثل هذا الملتقى أن تتجه الأقسام العلمية إلى تدارس لغة العصر وسبل الوصول بتعاليم القرآن وقيم الشريعة إلى إنسان العصر بمصطلحاته ومفاهيمه، ومن ثم العمل الجاد على إيجاد نخبة من العلماء المشبعين بالعلوم والمعارف، والمتمرنين على الأساليب والمناهج، والمدركين للواقع بكل ما في هذا الواقع من مآسي تبرز كل حين عبر أقلام ثلة من المغرضين والمشككين بالثوابت في مجتمعات لا تقيم لشرع الله راية، ولا بد لرد شبه أولئك، ومحاولاتهم من إيجاد هذه النخبة من العلماء التي تملك رؤية نقدية وقراءات دقيقة فاحصة لمنتج العابثين الضالين «خضراء الدمن» ولما تفرزه جهات أخذت على عاتقها تعكير صفو المؤمنين والانتصار للهوى والشيطان.. كما نعتقد أن على هذه النخبة من المجتمعين والمتداولين أن يركنوا جملة من العلوم والمعارف والمصطلحات التي وجدت في أزمنة وأوقات سابقة وأمكنة مختلفة، ربما عفا عليها الزمن ولم تعد الحاجة إليها قائمة، وعليهم واستبدالها بما استجدت من علوم وحقائق، خاصة ونحن نتحدث عن كتاب لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت، وهو لكل زمان ومكان.. هو الكتاب الخالد الذي انفرد بكونه معجزة خالدة باقية إلى قيام الساعة.. إليه يركن وهو الملاذ للحلول والمستجدات، وبه تبعث الطمأنينة ويخلد إلى الراحة، وإليه يفزع في الملمات.. لجامعة الإمام كل الشكر والتقدير، ولمعالي المدير كل الاحترام والثناء على تشجيعه وتوجيهه، ولفضيلة عميد الكلية كل الشكر على حرصه وعزيمته وعلى ما يبذله من وقت للرقي بالكلية إلى ما يأمله المخلصون.. ولفضيلة رئيس القسم كل الأمنيات بالتوفيق والنجاح.. وأهلا وسهلا بضيوف الجامعة الكرام .. إه [email protected]