متى بدأ لعب كرة القدم.. الحديثة في وطننا السعودي؟ هل بدأ - فعلاً - أول ما بدأ عندما تقدمت الجالية الإندونيسية بمكةالمكرمة عام 1927م بطلب إلى مدير الأمن العام بمكةالمكرمة بالسماح لها بمزاولة لعب كرة القدم؟! وبالتالي يأتي السؤال الأهم - بالنسبة لتاريخ الرياضة السعودية: متى عرف المجتمع السعودي لعب كرة القدم الحديثة؟ هل عرفها أول مرة عندما لعبتها.. الجالية الإندونيسية؟ وهل هذه المعلومة هي (الحقيقة الصحيحة).. والوحيدة لبدء معرفة المجتمع السعودي بلعبة كرة القدم الحديثة؟ هناك.. إجابة .. وحيدة، متداولة، تتوارثها أدبيات تاريخ الكرة في المملكة وترددها الكتابات التاريخية والمعلوماتية التي تسرد تاريخ لعب كرة القدم الحديثة السعودية، تبناها الخطاب الرياضي الرسمي وجعلها معلومة صحيحة يدشن بها نشوء لعبة كرة القدم السعودية. هذه الإجابة.. الوحيدة التي باتت معتمدة بتداول صاغها أول مرة الدكتور أمين ساعاتي صاحب أول مؤلف عن تاريخ الحركة الرياضية السعودية الصادر عام 1968م. يشير الدكتور الساعاتي في كتابه (تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية) ص101: «استجاب مدير الأمن العام بمكةالمكرمة إلى طلب رسمي مقدم من الجالية الإندونيسية القاطنة في مكةالمكرمة بطلب مزاولة كرة القدم، فأطلقوا أسماء مدنهم على منشآت فرق: المنتو والفادن والكروى والبيما والفير.. فأصبحت مكة أول مدينة في المملكة تمارس كرة القدم وانفرد الجاويون بممارسة هذه اللعبة.. ثم تسلل إليهم بعض من المواطنين». وفي صفحة 264 يشير الكتاب: «في عام 1927م .. تقدمت الجالية الإندونيسية القاطنة في مكةالمكرمة إلى سلطات الأمن فيها.. تطلب منهم السماح لها بمزاولة ألعابهم الشعبية «كالسلت» وكرة القدم. وفي صفحة( 265 ) يؤكد الدكتور الساعاتي في مؤلفه القيم: (مورست «الرياضة» في مكة قبل أي مدينة في المملكة.. عن طريق الجالية الإندونيسية). - ولعل المؤلف كان يريد أن يقول مورست (لعبة كرة القدم) وليس مورست (الرياضة).. لكون ممارسة (الرياضة) بألعابها ومناشطها وحسب ما يؤكده تاريخنا العربي قد عرفتها مكة منذ آلاف السنين.. ومن ضمنها اللعب بالكرة بالأدلة والشواهد، وقد كتبت كثيراً في هذا الجانب، ويكفي أن تكون بطاح الحجاز قد شهدت أول رياضي في التاريخ والإنسانية سيدنا إسماعيل عليه السلام. وأعاد الدكتور الساعاتي تأكيدية بدء نشوء لعبة كرة القدم في المملكة في آخر مقالاته التاريخية القيِّمة التي نشرتها جريدة الجزيرة على حلقتين خلال شهر رمضان السابق (1431ه/ 2010م). يقول الدكتور القدير وقد أضاف الجالية (المالوية) إلى الجالية (الإندونيسية) في مقالاته الهامة: (بدأ تاريخ كرة القدم في المملكة من خلال الجاليات الإندونيسية والمالوية التي بدأت ممارسة كرة القدم في أماكن متفرقة من حارات مكة.. ومع مرور الوقت تسلل مجموعة من الشباب السعودي إلى هذه الفرق، وأثبت اللاعبون السعوديون في الفرق الأندونيسية ولاسيما في فريق الفادن والملايا وجودهم وأصبحوا كُثر في العدد وكُثر في المهارات، )فرفعوا طلباً إلى الأمن العام في عام 1348ه - 1928م يطلبون فيه تعديل اسم الملايا إلى فريق الملايا حجاز، وأجيب طلبهم). - إذاً .. الجالية الإندونيسية هي أول من لعب كرة القدم الحديثة في مكةالمكرمة، هكذا تقول الرواية التي ظلت وحيدة ومنفردة منذ أن أسس كتابتها كتاب «تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية» لأمين ساعاتي الصادر عام 1968م. وسأسجل - هنا - .. اعتراضاً على قبول هذه الحقيقة، ولن أجعلها مسلمة حاسمة ووحيدة في تحديد أول من لعب كرة القدم الحديثة في مدن الحجاز (مكة. المدينة. جدة) وفي رأيي أن ما ذهب إليه أستاذنا الساعاتي من أن الجالية الإندونيسية هي من دشن لعبة كرة القدم في المجتمع السعودي، يحتاج إلى تدقيق ومزيد من البحث والمراجعة المنهجية العلمية والتاريخية قبل الحسم بالإثبات والبرهان والدليل العلمي التاريخي على أنها حقيقة أكيدة، وفي نفس الوقت لا يجب شطب وإلغاء ما ذهب إليه الدكتور الساعاتي من رأي واستنتاج حول الدور التأسيسي للجالية الإندونيسية في لعب ونشر كرة القدم الحديثة وأسبقيتهم في ممارستها بمكةالمكرمة طالما لم يثبت أن غيرهم سواء من السكان المواطنين أو الجاليات التي تقطن مكةالمكرمة وأيضاً من مدن الحجاز الحضرية قد لعبت الكرة، وكذلك لا يجب التعامل مع هذه الحقيقة التاريخية التي دونها مؤرخنا القدير على أنها الرأي القطعي الذي لا يسمح بتواجد آراء أخرى قد يكشفها البحث والدراسة التاريخية لتاريخ الرياضة السعودية، وأ لا نتحيز للرأي والاستنتاج بمقدار قبولنا بتعددية الآراء التاريخية في هذا الجانب متى ما نهجت واتبعت منهج البحث العلمي الموضوعي والباذل لجهد البحث وجديته دون أهواء ووصاية، إنما انحيازاً لسمو الحقيقة التاريخية العلمية. - لذا سأطرح عدة تساؤلات وملاحظات حول ما ذهب إليه الرأي الوحيد، والمتوارث عن بدايات لعب كرة القدم الحديثة في المملكة، والتي تشكل معلومة الدكتور الساعاتي جذرها المرجعي الأول، والوحيد. سأبدأ، من نقطة أجزم أنها رئيسة ومحورية، أهملتها الحوارات والكتابات الراصدة لتاريخ كرة القدم السعودية، وهي تخص (الكرة في إندونيسيا(، طالما أن الجالية الإندونيسية هي صاحبة الشأن وأخذ البادرة في نشوء لعبة الكرة في المجتمع السعودي، فهل لعب كرة القدم يشكل جزءاً من الممارسة الرياضية والترفيهية الشعبية والشائعة في المجتمعات الإندونيسية يمارسها الناس في كل مكان وزمان ويتناقلون الولع بها أينما حلوا أو استقروا لكونها جزءا من موروثهم من الألعاب ووسائل الترفيه مثلها مثل الرقصات والأغاني والأطعمة وأزياء الملابس واللغة التي تنتقل معهم، وتتواجد في نواميس معاشاتهم ونمطهم الحياتي، وكذلك ما مدى انتشار الأندية والفرق التي تلعب الكرة في إندونيسيا وهل وصلت لعبة كرة القدم إلى أن تكون منتجاً ترفيهياً يفعله المجتمع الإندونيسي، كما هو حال ألعاب فنون الدفاع عن النفس لدى مجتمعات شرق آسيا كالصين واليابان، وألعاب ومناشط رياضية وترفيهية أخرى تتواجد في موروثات ومنتجات وتقاليد وعادات وألعاب هذا المجتمع أو ذاك، منهم من تطغى على ألعابهم ألعاب السيوف، وحركات الرشاقة والقفز، أو مهارات حركات الجمباز، أو المصارعة، أو ركوب الخيل، أو المبارزة إلخ... لم أجد في تاريخ الألعاب والمناشط الحركية البدنية والترفيهية الإندونيسي عبر أطواره التاريخية ما يؤكد معرفتهم بلعب الكرة، بعكس الحال لدى الحضارة الصينية، أو اليابانية.. ومجتمعات جزيرة العرب التي عرفت ومارست وأنتجت ألعاب الكرة.. بما يصعب حصره في هذا الحيز، وكنت قد كتبت عن ذلك كثيراً. والمتتبع لتاريخ كرة القدم الحديثة في إندونيسيا سيجد أن تأسيس أندية كرة القدم في المملكة قد سبق تاريخ تأسيس الأندية في أندونيسيا. فأول ناد رياضي سعودي تأسس عام 1927م (نادي الحجاز بجدة) فيما يسجل تاريخ كرة القدم الإندونيسي أن بدايات اللعبة في إندونيسيا بدأ عام 1930ه، وأول ناد رياضي تأسس كان عام 1950م وهو نادي بي إس إم إس ميدان الذي تعود جذوره إلى عام 1930م. - هناك، سؤال فضولي، ربما يقود إلى استنتاج حقيقة تعين على إضاءة البحث التاريخي في تكشف مدى متانة المعلومة التي أسسها أستاذنا الساعاتي في كون الجالية الإندونيسية أول من لعب كرة القدم الحديثة في مكة، من خلال تقديمهم طلباً بالسماح بمزاولة لعبها من مدير الأمن العام عام 1927م.. السؤال البديهي هو: ولماذا احتاجت الجالية الإندونيسية لأجل لعب الكرة أن تطلب إذناً من مدير الأمن العام؟ فالمنطق والمفروض.. أنها قد مارست لعبها من قبل، في فترة العهد العثماني وخلال حكم الاشراف مثلاً، هل كان لعب كرة القدم ممنوعاً أم غير معروف، أو غير منتشر؟ وما الدليل أو الشاهد التاريخي الاستدلالي الذي يرجح هذا الاستنتاج؟! يتعقد السؤال نفسه، ليسأل: إذا كانت ممارسة لعب الكرة معروفاً قبل دولة الوحدة السعودية، فهل أفراد الجالية الاندونيسية يمارسون لعبها وحيدون من بين كل الجاليات والسكان في مكة؟ ليبقى السؤال الأكثر أهمية وتأثيراً هو التالي: (ماذا عن «إمكانية» ممارسة أفراد الجاليات الأخرى في مكة لكرة القدم الحديثة؟ وما مدى احتمالية ذلك؟) لا بد من تكشف وتتبع مثل هذه الأسئلة التي قد تبدو بديهية، بسيطة. ولكن إجاباتها تظل في غاية الأهمية والحسم في معرفه حال وواقع الرياضة وألعابها في مكةالمكرمة قبل العهد السعودي لكون تأسيس الرياضة الحديثة لا يمكن فصله عما سبقه، لأن الألعاب والمناشط والفنون الشعبية تراكمية النشوء والتطور، يترابط حاضره بما سبقه، وما هو تالي سيكون نتاج مستقبله... - سأشير باختصار ونتيجة ما توصلت له من بحث وتكشف لتاريخ الرياضة في المجتمع العربي في جزيرة العرب. إن أول تأسيس حقيقي )للرياضة الحديثة (عرفه وطننا الغالي في التاريخ كان في وقت مبكر من تأسيس المملكة العربية السعودية، حينما كان مسماها مملكة الحجاز وسلطنة نجد، حيث تأسس نادي الحجاز بجدة عام 1927م، ولم يكن في عهد الأشراف والعثمانيين أية وجود لأندية أو رعاية ودعم للمناشط الرياضية الحديثة، لذا لا يستغرب الباحث المؤرخ في سرعة نشوء انتشارية الممارسة الشعبية للألعاب الرياضية التي تكاثرت فرقها وتأسست الأندية الرياضية (بعيد) اكتمال الوحدة الوطنية عام 1927م على يد الملك عبدالعزيز، وكان أصحاب المبادرة في تأسيس النادي الرياضي الأول مجموعة من المثقفين والمستنيرين آنذاك من شباب ورجال جدةومكةوالمدينةالمنورة.. وهو ما يؤكد تواجدية الممارسة، ولكي أكون دقيقاً ومنصفاً.. فإنه كانت هناك جهود فردية لنشر (الرياضة الحديثة) في المدارس في فترة حكم الأشراف، وقد كتبت عن ذلك وتحديداً في مقالتي عن ريادية (أحمد رشدي) الذي نظم وأشرف ودرب طلاب المدرسة الراقية الهاشمية 1917م على أداء عروض المجاميع الحركية البدنية، كما قام بأداء حركات مهارية في الجمباز، ومن أشهر الدعاة للرياضة البدنية آنذاك محمد رضا صبان. ولا أستبعد أن يكون مجتمع مكةوالمدينةوجدة من مدن الحجاز الحضرية قد عرفت لعبة كرة القدم الحديثة منذ أوائل القرن العشرين الميلادي، وهم تأكيد التأكيد ككثير من سكان جغرافيا جزيرة العرب قد عرفوا ومارسوا اللعب بالكرة، منذ آلاف السنوات. ولو قلبنا صفحات الجرائد في تلك الحقبة، سنجد أنه نشر في جريدة القبلة عام 1336ه (نقلاً عن التاريخ الرياضي في عهد الملك عبدالعزيز لمحمد القدادي) نص لكلمة الرائد الرياضي القبطان أحمد رشدي في احتفال مدرسي دعا له أولياء أمور الطلاب والأعيان، يشرح فيها فائدة التربية البدنية وضرورة ممارستها لصحة الأبدان، وأن الأمم المتحضرة والمتطورة تهتم بها )لا تكاد تدخل قرية من قراهم إلا وتجدهم يتربصون بكرة الرجل المسماة فوتبول). إذاً.. كانت كرة القدم الحديثة معروفة وممارسة بين الأفراد وإن لم يكن بانتشارية واسعة يسمح به فضاء اجتماعي يساعد ويعين على ازدهارها وتطورها، ناهيك عن عدم تأسيس الأندية الرياضية لكون السلطات الرسمية آنذاك لم تكن مقتنعة بقيمة وأهمية تأسيسها. وهو طور طبيعي تمر به أية لعبة رياضية في أي زمان ومكان. - أعود للسؤال الذي شردنا عنه في هذه الاستطرادة العجولة والمقتضبة. السؤال كان عن مبرر لجوء الجالية الإندونيسية لمدير الأمن العام للسماح لها بلعب كرة القدم؟ أيحتاج الأمر للزومية الاستئذان من الأمن العام، طالما أن ممارستها لكونها لعبة ترويحية مثلها مثل كثير من الألعاب والفنون الترويحية إلى إذن واستئذان. أم أن كل ما في الأمر أن غاية ومبرر وهدف الاستئذان هو إقامة مهرجان رياضي يتخطى هدفه الرياضي الترويحي إلى كونه استجابة لدعوة سياسية، تهدف إلى تأييد الحركة القومية التي كانت تجتاح اندونيسيا.. آنذاك. لو قلبنا مجريات الأحداث السياسية في اندونيسيا الوطن الأم سنجد أنه في عام 1927م اجتاحت اندونيسيا دعوة شعبية قومية ضد الاستعمار الهولندي مطالبة باستقلال وحرية البلاد وكان من أهم قادتها سوارثين وحميد ألف وسوكارنو. والغريب في هذه الدعوة القومية أنها تبنت شعار (كرة القدم أفضل وسيلة لدعم الروح القومية لجميع الشباب الإندونيسي في العالم لمواجهة الاستعمار الهولندي). وبالتالي استجاب الإندونيسيون في معظم دول العالم لهذه الدعوة الوطنية، وهذا ما يعطي تفسيراً احتمالياً أن ذلك الطلب الذي تقدمت به الجالية الإندونيسية لمدير الأمن العام اقتضته أسباب دافعها سياسي واستجابة لشعار وطني إندونيسي، مما يعني أن ما حدث يمكن تشبيهه بالدورة أو الفعالية الرياضية المقتصرة على مباريات في كرة القدم، والتي بالتأكيد أنها أثارت التشويق والجاذبية لدى الناس مثل هذا الربط بين مناسبة طلب الجالية الإندونيسية وما كان يحدث في اندونيسيا لا يجب إغفاله، والقفز عليه، إنما يحتم التحليل التاريخي لتأمل كامل السياق التاريخي للحدث وما قد يرتبط وما قد يكون مؤثراً أو منتجاً له. مع الأسف أن الطلب الذي تقدمت به الجالية الإندونيسية لمدير الأمن العام يظل مجرد معلومة مقتضبة تفيد بأن الجالية تقدمت بطلب. لكن لا يعرف أكان الطلب كتابياً أم شفهياً، والأرجح منطقياً واجرائياً أن يكون كتابياً، فما الذي كتب فيه؟ إن معرفة نص الخطاب المقدم من الجالية الإندونيسية سيضيء الكثير على هذه المسألة، وقد يضيف معلومة وحقائق تؤكد أو تنفي وتوضح الأسئلة والتساؤلات حول هذه المناسبة التاريخية. لذا يطرح السؤال نفسه:هل هذا الخطاب التاريخي موجود؟ وهل ما زال أرشيف مدير الأمن العام بمكة يحتفظ في سجلاته الوثائقية بهذا الخطاب وغيره مما له علاقة بالرياضة؟ ولو أن الأرشيف موجود فإنه سيكون خير كاشف ومعين على حقائق بدايات الرياضة في السعودية. ولأن البحث التاريخي الرياضي غير موجود، والرئاسة العامة لرعاية الشباب تخلو من مركز للبحوث والدراسات، ودارة الملك عبدالعزيز لا تهتم بالجانب التاريخي والتوثيقي الرياضي.. خسارة أن يفقد أغلى الأوطان ذاكرته وجزء هام من نشأته الرياضية. - لو رجعت مرة أخرى لآخركتابات مؤرخنا القدير أمين ساعاتي فسنجده قد أضاف الجالية (المالوية) إلى جانب الجالية (الإندونيسية)، وهنا لا بد من التفريق بين أقدمية الكرة في إندونيسيا وما بين الكرة في بلاد المالوى (سنغافورة وماليزيا)، لكون الكرة في سنغافورا كانت سباقة وذات أقدمية عن اندونيسيا، قد يفوق النصف قرن من الزمان. ويكفي أن نعرف أن اتحاد الكرة في سنغافورة هو أول اتحاد آسيوي في التاريخ حيث تأسس عام 1892م، أي بعد 29 عاماً على تأسيس اتحاد الكرة الانجليزي، وبدأ أول دوري للكرة عام 1904م، فيما تأسس اتحاد الكرة في اندونيسيا عام 1930م. إذاً.. المالوية ( الماليزيون والسنغافوريون) أكثر معرفة وممارسة وارتباطا وأسبقية بكرة القدم من الإندونيسيين، وبالتالي فإنهم كجالية قاطنة في مكة ستكون أكثر تأهيلاً وتهيؤاً على ممارسة لعبتهم الشعبية التي ولعوا بها لكونهم أول من عرفها في شرق آسيا وأول من أسس الأندية التي تلعب كرة القدم، وهم أول من أسس اتحاد لكرة القدم في آسيا. هذه الاهتمامية التي يوليها المالويه لكرة القدم تلزمنا ألا نقفز عليها كحقيقة أكثر قرباً ومنطقية ورجحاناً من أن قد مارست لعب كرة القدم الحديثة في مكة وأن يكون لها دور مساهم ومؤثر في نشرها في مكةالمكرمة ربما منذ بدايات 1900م. هذا كله يجعلنا أن نضع احتمالية الدور الريادي للجالية المالوية في نشر وتعريف المجتمع المكي بكرة القدم، وليس أن نقصر هذا الدور فقط على الجالية الإندونيسية. - ولأن مدن الحجاز الحضرية (مكة، المدينة، جدة) وطوال تاريخها هي منطقة جذب والتقاء وتمازج بين جميع المجتمعات المسلمة في المعمورة، فإنها كانت تحوي جاليات عديدة من مجتمعات عرفت لعبة كرة القدم، ممارسة وانتشارية وتطورية أدائية وتنظيمية، لا يمكن تجاهل احتمالية مساهمتها في تعريف المجتمع المكي بكرة القدم ونشر اللعبة. ولا يجب قصر الدور على جالية واحدة، وبالذات أن هناك جاليات عرفت كرة القدم الحديثة قبل الجالية الإندونيسية التي يسجل تاريخ بدايات كرة القدم السعودية إنها صاحب الريادية في هذا الجانب وحيداً وواحد. فالأتراك مثلاً كان لهم حضور وتواجد يفوق تأثيره ووجوده أية جالية مسلمة أخرى، لكون الحجاز كان خاضعاً للتبعية العثمانية قروناً. فكرة القدم في تركيا مورست منذ عام 1850م. وأنشئ أول ناد يلعب الكرة (سميرنا) أو (أزمير) باللغة الانجليزية عام 1877م. وانطلق أول دوري لكرة القدم عام 1904م، وتأسس نادي غلطة سرايا عام 1905م، وصدر قانون تأسيس الأندية الرياضية عام 1909م وتأسس اتحاد الكرة عام 1923م وانضم للفيفا. ويسوق لنا أستاذنا الساعاتي في كتابه القيم أن الشريف فواز مهنا قد قدم من اسطنبول وفي جعبته خبرات الكرة التي استوهبها وتطبع بها حين تواجده في تركيا. وهو ما يؤكد أن للأتراك تأثيرا فعّالا في تعريف مجتمعات الحجاز الحضرية ومن بينها مكةالمكرمة بكرة القدم، لكون الكرة في تركيا ممارسة وذات حضور تجاوز عشق الأتراك للعبتهم الشعبية التراثية (المصارعة)، ولا شك أن أفرادا من الجالية التركية الواسعة التواجد في الدوائر الحكومية المدنية والعسكرية في الحجاز يمارسون من ضمن نشاطاتهم الترفيهية لعب كرة القدم إلى جانب يسر وسهولة تنقل وسفر سكان الحجاز لتركيا للعمل والتجارة والإقامة. ولا أظن أني بحاجة لتوضيح مدى تأثير التقاليد والعادات والألعاب والفنون والحرف التركية في البيئة الحجازية، فمن باب أولى أن يكون للعبة الترويحية المكان والفضاء أن تتواجد وبكل رحابة.. وتأثير، أظنه أكثر بكثير مما يمكن أن تفعله أية جالية أخرى، وبالذات أن تركيا كانت ولقرون عديدة هي حضارة العالم المتمدن والمتفوق. - أيضاً.. لا يجب أن نقفز على احتمالية أن يكون للجالية الهندية دور فاعل في نشر لعبة كرة القدم وممارستها، لكون الهند قد كانت سباقة في معرفة لعبة كرة القدم الحديثة وانتشرت ممارستها بين الناس حتى أن الهند قد احتضنت أول بطولة دولية على مستوى العالم عام 1888م تحت مسمى كأس دوراند والتي تقام كل عام وإلى يومنا الحاضر..! أول ناد تأسس في الهند هو نادي موهون باغان عام 1888م ونادي محمدان 1889م. ولعل من مؤشرات تأثير الهند في التعريف بلعبة كرة القدم علىالمجتمع الحجازي سواء لسفر المواطنين إلى الهند للعمل أو التجارة أو الدراسة وتواجد جالية هندية واسعة في مدن الحجاز، أقول من المؤشرات الدلالية على ذلك وهو ما يجب تأمله وتفحصه أن أول مدرب سعودي لكرة القدم عرفه تاريخ الأندية السعودية قد درس في الهند ومارس لعبة الكرة والولع بها هناك وهو مدرب ولاعب الاتحاد صالح سلامة. وكذلك وختاماً، لا بد لا نتجاهل من أن يكون للجالية اليمانية دور في لعب ونشر لعبة كرة القدم الحديثة في الحجاز لكون المجتمع اليمني وتحديداً العدني أول المجتمعات العربية والمسلمة التي عرفت لعبة كرة القدم حيث عرفوها منذ عام 1839م، قبل تركيا والهند وسنغافورا.. وإندونيسيا فقد تأسست في عدن أندية تلعب الكرة عام 1902م وانتشرت فيها فرق الحواري وأصبح لعب الكرة ممارسة مألوفة بين الشباب، ولا يخفى على أحد مدى تواجد الجالية اليمنية في نسيج المجتمع الحجازي الحضري ولكونهم الأكثر تفاعلاً وتمازجاً وارتباطاً معه بوشائج ومتلاقيات لا تتوافر لدى جاليات أخرى لعل أكثرها قيمة مشترك اللغة والعادات وروابط الدم والجغرافيا. الخلاصة عندما أنثر هذه الحقائق التاريخية التي تعين على كشف صيرورة نشوء لعبة كرة القدم الحديثة في وطننا الغالي، فإنما قصدي الأهم تأسيس تعامل علمي تاريخي وبحثي ممنهج للطرح التاريخي الرياضي وفقاً لأصول علم التاريخ الحديث تدويناً وقراءة واستنتاجاً، ينجي كتابة تاريخ الرياضة من مغبة الاجتهاد الشخصي، ومن وصاية الانحياز العاطفي أو المنهجي، وينقذها من مزلق ومأزق الانطباعية عندما تكون أداة ومعيناً في تكوين سجله. آن الأوان إلى ضخ «العلمية» في جسر المنظومة الرياضية، ويعني ذلك بالنسبة لتدوين التاريخ الرياضي، تأسيس مركز للبحوث والدراسات والتوثيق الرياضي، وأتمنى أن تتصدى الجامعات ودارة الملك عبدالعزيز والرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى تأهيل الكفاءات والمناهج الجامعية المتخصصة بعلم التاريخ الرياضي. وهو علم موجود ويُدرس أكاديمياً، له منهجه العلمي وتكويناته المعرفية التي تجعل منه علماً إلى جانب علوم الرياضة الأكاديمية ال75 علماً والتي تدرس على سبيل المثال لا الحصر في (جامعة) علوم الرياضة في روسيا التي تحتوي 11 كلية علمية متخصصة بعلوم الرياضة. لا بد ختاماً، من الإشادة وتقديم الشكر والعرفان للدكتور أمين ساعاتي على ما قدمه للمكتبة الرياضية السعودية، ويكفيه على الرياضة السعودية أن تثمن له مؤلفه الأول في تدوين تاريخ الرياضة السعودية. والدكتور الساعاتي من حق الرياضة السعودية أن تكرمه وتجل صنيع فعله المعرفي المهم، وهو الذي أفنى عمره في خدمة الرياضة السعودية، لاعباً، وحكماً، وإدارياً.. ومؤرخاً ريادياً، دشن كتابة التاريخ الرياضي ليظل وحيداً وواحداً عشرات الأعوام، حتى وهب الله لكتابه التاريخ الرياضي زميلاً قديراً مجداً قدم جهده البحثي في التاريخ الرياضي السعودي بكل إخلاص وعلم، أعني الزميل القدير محمد المقدادي، ما عدا هذين الرجلين (طبعاً.. إذا استثنيت شيخ الرياضيين والمرجع التاريخي للرياضة السعودية عبد الرحمن بن سعيد)، ما عدا هذين الرجلين فلا أحد تصدى لكتابة تاريخ الرياضة السعودية بشكل بحثي وعملي.. مع الأسف.. دعك من مؤلفي ومجمعي كتب المناسبات واليوبيليات والنوازع التشجيعية وهواة جمع الأراشيف والطوابع ممن لا يخجلون من السطو على ما كتبه الرائد الدكتور الساعاتي دون أن ينسبوه له في تجاهل لأخلاقيات وأمانة كتابة التاريخ، ودون أن يبذلوا جهد البحث والتدقيق أو أن يعلموا أن لكتابة التاريخ منهجاً علمياً يخضع الباحث لنواميسه، لا أن يخضعه لهواه وأهوائه.. وشح وأمية معارفه.