عندما يرحل الكبار فإن الخطب يكون كبيراً كما هي قامتهم، فالخطب على قدر القامات، ورحيل المؤرخ والأديب والشاعر عبد الله بن محمد بن خميس كان كبيراً وخسارة مؤلمة ولكنها الحياة لا تبقي على أحد. عرفت هذه القامة الفارهة وأنا في بداياتي الصحفية وكان طموحي كبيراً في مقابلة هؤلاء الكبار، فكان أن قمت بزيارة ابن خميس في منزله بعيد صلاة العصر فوجدته هاشاً باشاً فانتابتني حالة من الفخر بنفسي لما وجدته من حسن استقبال وكرم حديث يأتي دون مشقة سؤال أو عناء تفكير لشاب ما زال يافعاً يخطو أولى خطواته في بلاط صاحبة الجلالة. في ظلال قصره كان يفرش قطعاً من السجاد ويستقبل كل من أراد زيارته ببشاشته المعهودة وصوته الجهوري الأخاذ، أسعدني بأبوته كما أسعدني بمعلوماته التي جعلتني أخرج من عنده حاملاً هم الاستفادة من كل ما سمعت.أتذكر اللقاء الأول معه -رحمه الله- وأحس بلوعة التقصير تجاه هؤلاء الكبار، تقصير التواصل براً بهم وتقصير الاستفادة من علمهم الغزير. الدرعية كما هي اليمامة والرياض ومنفوحة التاريخ والجغرافيا الزمان والمكان الحاضر في ذاكرة الراحل دائماً، حتى صار أمراً ملازماً له في نثره وشعره، وهذا مؤشر على تمكنه الجغرافي والتاريخي، إنسان هذا الزمان وهذا المكان بكل اختصار. الذاكرة ما زالت تحتفظ بشيء مما قدم مطبوعاً ومسموعاً، في زمن كانت المعلومة تؤخذ من مظانها الحقيقية فتأتي أكيدة موثقة، ما زال صوته في أذني وهو يرد على ما يطرح عليه في برنامجه الإذاعي الشهير الممتع والمفيد (من القائل) الذي كنت أحرص على الاستماع إليه كما يحرص عليه الكثير من الناس بكافة طبقاتهم مثقفين وعاميين، حتى بات ما يقوله حديث المجالس، كان -رحمه الله- يوثق لقائل هذه الأبيات ويقدم تاريخاً مهماً حوله، مما جعل من هذا البرنامج برنامجاً وثائقياً بحق. واليوم ونحن نترحم على الفقيد الكبير هناك من يسعى بكل تأكيد لتأسيس مؤسسة ثقافية تاريخية تحمل اسمه ورائد ذلك بكل تأكيد رجل الثقافة والإعلام وأميرهما سلمان بن عبدالعزيز، ولكنني هنا آمل من إذاعة الرياض إعادة بث برنامج (من القائل) فهذا أقل من يجب.رحم الله أديبنا الكبير وأسكنه الفردوس الأعلى..والله المستعان..