قبل خمسة وعشرين عاما كان موعد بلادنا مع مولودها الثقافي البكر (مهرجان الجنادرية) ولم يكن في بداياته الأولى سوى سباق للهجن في مضمار الجنادرية، وعند ذلك كانت نظرة المسؤولين عن المهرجان تخطط لمستقبل سعودي ثقافي لما هو أشمل وأوسع من مجرد سباق الهجن مع أهميته والحفاظ عليه كجزء من هذا المهرجان، حيث كان ومازال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز هو المهندس الأول الذي أسس فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة وتابع مسيرته وتطويره، فأولاه - يحفظه الله - جل اهتمامه ورعايته منذ دورته الأولى وحتى الآن ونحن نحتفي بالدورة السادسة والعشرين، وهذه الرعاية الملكية الكريمة أسندت الإشراف المباشر والتنظيم السنوي للمهرجان إلى الحرس الوطني، هذه المؤسسة الحضارية العسكرية التي زاوجت بين قوة السلاح والبدن وبين تنوير العقل والنهوض بالفكر، فكان للحرس الوطني شرف الريادة والاستمرار في القيام بتنظيم هذه التظاهرة الثقافية سنويا، ولا غرابة في ذلك، فرجل مثل الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، حري بأن ينهض بمستوى مهرجان الجنادرية بالقدر الذي رسمته وتحرص عليه قيادتنا الرشيدة، فمتعب بن عبد الله تربى في مدرسة والده الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبالتالي جدير بأن يمضي على نفس المنوال، ويهتم بمتابعة هذا المهرجان الوطني الكبير خطوة بخطوة، مع تطويره وتوسيع آفاقه ورؤاه الثقافية عاما بعد عام، لقد أصبح هذا المهرجان الوطني والملتقى الفكري، علامة مضيئة وسمة ثقافية بارزة للمملكة العربية السعودية على مستوى العالم، فلم يعد يقتصر على الأدباء والمفكرين السعوديين والعرب كما كان في بداياته الأولى، وإنما شمل العالم بأسره، سواء من ناحية دعوة المشاركين في الندوات، أو استضافة أي دولة كضيفة شرف للمهرجان، لتبادل عرض الثقافات والتعرف على مكنونات الآخر، لخدمة ثقافة الحوار والتواصل الإنساني، والذي كان لخادم الشريفين الفضل بعد الله في تبني هذا المبدأ وتأصيله ونشره عالميا، بهدف الوصول إلى قواسم إنسانية مشتركة تحقق السلام وتنبذ العنف والتناحر بين البشر، إنها رسالتنا الإسلامية السامية والثقافية المتنوعة إلى كل أصقاع الدنيا، بدءا بالافتتاح الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما يشتمل عليه من كلمات وقصائد وأوبريت وعروض ولوحات فنية ورقصات شعبية متنوعة، وما يعقب ذلك من الفعاليات الثقافية، المتضمنة للعديد من الندوات الفكرية والأدبية، التي تطرح على طاولة الحوار والمداولة، للخروج بالمضامين الثقافية إلى حيز التنفيذ المعرفي، على شكل توصيات وأطروحات علمية، تثري الثقافة السعودية وتعرف بها أمام ثقافات العالم، هذا إلى جانب ما يقدمه المهرجان من الموروثات والفنون الشعبية والمقتنيات والعادات الأصيلة، التي تمثل ثروات وفلكلور جميع مناطق المملكة، على هيئة أجنحة تراثية متناسقة، تتقاسم أرض الجنادرية، لتعرض إبداعاتها كلوحة سلام فنية، تحتوي على التاريخ الشامخ والجغرافيا الوطنية، لتبين الوجه الحضاري واللحمة الوطنية التي يتميز بها هذا البلد العظيم وهذا الشعب الكريم، وتحقيقا لرؤية المسؤولين عن تنظيم المهرجان الوطني للتراث والثقافة، بضرورة توسيع فعالياته وأنشطته الثقافية والفكرية، إلى بعض المؤسسات والصروح العلمية خارج مدينة الرياض، فقد بدأ منذ العام الماضي في الدورة الخامسة والعشرين، تنظيم بعض الندوات الفكرية والعروض التراثية والشعبية، في كل من القطاع الغربي والقطاع الشرقي، وقد تمثلت مشاركة القطاع الغربي في جامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى، وعندما نجحت الفكرة تم تكرارها هذا العام في جنادرية 26 في كل من جامعة الملك عبد العزيز ونادي جدة الأدبي، حيث أسند لجامعة المؤسس تنظيم ندوة فكرية بعنوان (الاستشراق الجديد والعلاقة مع الآخر)، مع بعض الفنون التراثية والشعبية والمعارض الفنية التي نظمت على هامش الندوة، بينما أسند إلى نادي جدة الأدبي، تنظيم أمسية شعرية ضمن الأمسيات الأدبية للمهرجان، وحرصا من المسؤولين في الحرس الوطني بالقطاع الغربي على إنجاح هذه الفعاليات، فقد وجه سمو الأمير الدكتور خالد بن فيصل بن تركي آل سعود وكيل الحرس الوطني للقطاع الغربي، بضرورة الاهتمام بإخراج الفعاليات بالشكل اللائق الذي يتناسب مع حجم وأهمية هذا المهرجان الكبير، وبناء عليه كان لنا كإدارة علاقات عامة لقاء أخويا رائعا، دعي له مجموعة منتخبة من الإعلاميين، من وزارة الإعلام وكتاب ومحرري الصحف المحلية، والقنوات الفضائية، كانت ليلة مضيئة على شاطئ مدينة جدة، تم من خلالها تنسيق العمل الإعلامي لخدمة تغطية الفعاليات، وأبدى الجميع اهتمامهم بالمناسبة وحرصهم على خدمة هذا المهرجان الوطني بما يتناسب مع أهميته ووزنه الثقافي، وقد تم في ذلك اللقاء طرح الكثير من الرؤى والمقترحات الجيدة، وكذلك الأسئلة المتعلقة بطبيعة وأنشطة المهرجان، ومن ضمنها السؤال الذي يتكرر باستمرار، وهو.. هل يمكن أن نرى مهرجان الجنادرية مستقبلا يعرض بأجنحته وتراثه في مناطق المملكة الأخرى خارج مدينة الرياض؟ خصوصا وأن الأنشطة الثقافية والفكرية قد طبقت ذلك في جنادرية 25 و26؟ سؤال لم نجب عليه في القطاع الغربي، وإنما نحيله مع التحية والتقدير إلى المسؤولين عن الإدارة العامة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وإلى أن نلتقي إن شاء الله في جنادرية 27 وكل جنادرية وأنتم والوطن بألف خير. [email protected]