تلقيت خبر وفاة الشيخ الفاضل عبدالكريم بن عبدالله المشيقح، تلقيته برسالة جوال صباح يوم السبت الموافق الثامن والعشرين من الشهر الرابع، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة، عن عمر يناهز الواحد والتسعين عاماً، وأدت أعداد كثيرة من المصلين الصلاة على روحه الطاهرة، وشيع جنازته أبناؤه، وإخوانه، وجيرانه، ومشايخ، ووجهاء، وأعيان المنطقة وجمع غفير حضروا من مختلف المحافظات والمراكز، وحمل المشيعيون جنازته إلى مقابر الموطأ تحملهم أقدامهم إلى أن أوصلوها ساحاتها وسجّوها تجاه القبلة لتواصل الصلاة على روحه لمن لم يصل عليها مع المصلين في المسجد، وتقديم واجب العزاء لأبنائه، وإخوانه، وأقربائه الذين وجدوا كثرة المشيعين الذين ضاقت بهم ساحات المقابر؛ لما يحمله من ذكر حسن في قلوب الذين عاصروا حياته الحافلة بمختلف المحاسن الدينية والوطنية والإنسانية، والتي من الصعب حصرها وتقصي مراحلها، إلا أني أذكر الشيء اليسير عن سيرته ومسيرته، فقد ولد بمدينة بريدة سنة واحد وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وتربى تربية فاضلة في بيت دين، وعلم وثراء، وتعلم القراءة في كُتاب بريدة القديمة ونبغ في القراءة والكتابة والخطابة، وأجاد في كتابة الوثائق والعقود والصكوك، إذ إنه امتاز بخط حسن، وإملاء سليم، ولغة فصحى، ومعلومات غزيرة، وأسلوب سلس، وصوت جهور، وهذه لا توجد إلا لقلة من المتعلمين في الأزمنة القديمة وعُرف ببلاغة اللغة، وطلاقة اللسان، وبراعة الإلقاء في مختلف المحافل التي تُقام بالمنطقة حيث رشح ضمن الذين يلقون الخطابات الترحيبية لولاة الأمر التي تجد القبول والثناء، كما تجد من الحضور الذين تمتلئ بهم ساحة الحفل. ومن الأعمال التي زاولها منذ أكثر من سبعين سنة بيع وشراء الإبل في الأردن وسوريا والعراق، ومن الأعمال الحكومية عُين مستشاراً في رئاسة الحرس الوطني، ومديراً عامًا لمصلحة المجاهدين، ووكيل مدير عام مصلحة خفر السواحل، ومأمور مستودعات في إدارة الجمارك بالمنطقة الشرقية. ومن المحاسن التي لا يحرص على ذكرها في حياته انه شرَّع أبواب منزله العامر لأفراد أسرته الذين يحرصون على أن ينالوا أجر التواصل الذي يحب استقبالهم وصلتهم والترحيب بهم وممساعدة فقيرهم وعيادة مريضهم وتلبية دعوات أفراحهم ومشاركة ساعات أحزانهم.. كما أنه حريص على بذل الزكوات والصدقات والهبات إلى الفقراء والمساكين والمحرومين، والمساهمة في بناء الأوقاف التي من أفضلها ذكراً وبقاء وأجراً المساجد.. إن رحيل عبدالكريم المشيقح أحدث جرحاً غائراً في أكباد أبنائه، وحزنًا مؤلمًا في قلوب إخوانه ومصاباً جللاً عند أبناء مسقط رأسه الذين وجدوا فيه نعم الرجل الذي خلف ذكراً حسناً من الصعب تقصيه، إلا أنه في ذاكرة أبناء بريدة الذين يقدرون خدمات أبنائها الدينية، والوطنية، والإنسانية.. هذا وتعازينا لأبنائه وبناته وزوجته وإخوانه وجميع أفراد عائلته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. أحمد المنصور بريدة - نادي القصيم الأدبي