لقد أنزل الله على رسوله الكريم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - كتابه العزيز ليحكم به بين الناس في شؤونهم كلها، فقد قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} المائدة 49 وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخر ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء 59. وفرض على الأمة - خير أمة أخرجت للناس - إتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - أمرًا ونهياً وتصديقاً وتحكيمًا، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} النساء 65 وقال سبحانه: {ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر 7. كل هذه الآيات وغيرها تدعو وتوجب الامتثال للكتاب والسنة، وتدعو وتوجب الأخذ بهما قولاً وعملاً ومعتقدًا وسلوكًا ومنهجًا لحياة كل مسلم، وجعلهما دستورًا مهيمنًا على شؤون المسلمين في كل صغيرة وكبيرة. لذا كان خير ما يتواصى به الناس كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}، وخير حق يؤديه الحاكم للمحكومين، أو الراعي لرعيته أو السلطان أو الأمير أو الملك لشعبه ومواطنيه إقامة هذين الأصلين بينهم وتحكيمهما في شؤون حياتهم كلها. إن إقامة كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياة الناس حصن حصين من الفتن والمحن وضمان للاستقامة والأمن والاستقرار، وتحقيق للعيش الكريم، والحياة العزيزة، وفتح للبلاد والعباد بالخير الوفير، وإيذان للسماء والأرض أن تجودا بالبركات، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأعراف 96. ومن الجدير ذكره أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، فتارة شدة وعسر وضيق وفقر ومرض وبلاء وضعف وتخلف، وتارة رخاء وسعة ويسر وغنى وصحة وعافية وقوة ونهضة وتقدم، قال تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} تلك سنن الله تجري وفق ما تقتضيه تلك الحكمة والإرادة والمشيئة المطلقة. فالحاكم الذي يقيم شرع الله، ويُحكّم الكتاب والسنة المطهرة في رعيته لا يُسأل عن أقدار الله إذا ما قلّت الموارد، أو وقع الفقر والمرض أو نزلت المجاعة ونحوها، ما دام مطبقًا لشرع الله، مع اجتهاده وعمل ما يستطيع فعله بما يدرأ تلك المصائب والنوائب والنوازل ونحوها، وبذله للأسباب وحرصه المتواصل لتأمين معاش الناس وسبل العيش الرغيد ورفاهيتهم. وبعدها لا يُسأل فيما قدره الله وأمضاه فقد وقعت مجاعة كبيرة في عهد الفاروق عمر- رضي الله عنه - فلم يُطلب منه ما ليس في يده، ولم يلمه أحد، أو ينسبه أو يرده إلى تقصيره في شؤون رعيته وما أدراكم ما عمر! تلك المقدمة، وذلك التمهيد لأذكر ما كان في يوم الجمعة الساعة الثانية ظهراً وتاريخ 13-04-1432ه بصدور الأوامر الملكية وصلتها بالثوابت والمنطلقات الشرعية، والتي أفرحت وأبهجت المجتمع السعودي بما تحمله من خيرات ومبشرات لدينهم وديناهم، قريبًا وبعيدًا، عاجلاً وآجلاً. لكن أكثرها فرحاً وسروراً وغبطة، تلك الأوامر الملكية التي يعود نفعها على ديننا وآخرتنا، والتي ترفع من شأن العلماء - علماء الدين والشريعة - والتي تدعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر رجاله وهيئاته، وحفظ كتاب الله من خلال جمعياته الخيرية والعناية بمساجد الله التي تُرفع ليذكر اسم الله ودعم مراكز الدعوة إلى الله، ومكافحة الفساد وطي ضرره، وغيرها من الأوامر التي حظيت بتلك الرعاية والعناية المادية والمعنوية. هذا ومما أفرحنا أكثر تصدر غالب تلك الأوامر الملكية بآيات قرآنية كمنطلق ودليل لها، ولم يكن مستغربًا، بل هو الوضع الملائم والمطابق لما ينبغي أن تُبنى وتكون عليه تلك الأوامر بخصوصيتها ومرجعيتها الشرعية، ومن الملفت والمؤكد لهذه الخصوصية الالتقاء والاتفاق بين الراعي ورعيته في هذه البلاد على انفراد كثير من الأوامر المتميزة والمميزة عن غيرها من القرارات في كل دول العالم! حيث تجنح تلك الدول لما يلتقون ويتفقون عليه، من الوعود وحزمة من القرارات التي تتعلق بالحرية المطلقة، أو الأحزاب المتعددة أو تعديلات في الدستور أو حذف أو إضافات، أو استفتاءات حوله أو حل الحكومة أو مجالس الشعب والبرمان ونحو ذلك لكنها خلت مما تميزت به تلك الأوامر الملكية بالنظر لشؤون العباد والبلاد في دينها ودنياها وآخرتها مؤكدة بهذه الميزة والخصوصية بأن هذه البلاد - ولله الحمد والمنة - قائمة - وستبقى بإذن الله - على الكتاب والسنة ليحكما شؤون البلاد والعباد في جميع الأحوال تحت أي ظرف وطارئ ومستجد. إنها نعمة تحتم علينا أن نشكر الله عليها ونحمده كثيراً أولاً وآخرًا ونسأله سبحانه أن يديمها علينا، وأن يمد ولي أمرنا بالصحة والعافية ويحفظه ويوفقه لمرضاته. بيْد أن علينا واجباً تجاه ولي أمرنا وحكومته متمثلاً في السمع والطاعة، وأن نكون عوناً وسندًا له لا سيما في وقت الفتن والمحن والشدائد وأن نلتف حوله ونآزره، ونجنّب البلاد مزالق التردي والخطر والبوار. كل ذلك من الواجب ولو لم يكن واجباً لكان من لوازم الشكر لله سبحانه وتعالى ثم لأهل الإحسان والفضل من الناس. مدير المعهد العلمي في الأحساء