ثمة مفارقة غرائبية يشهدها الحراك السياسي الراهن في العراق، تتمثل في أن الذين تحمسوا لعقد الاتفاقية السياسية والأمنية والعسكرية بين حكومة نوري المالكي وإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش نهاية العام 2008 وامتدحوها ودافعوا عنها، رغم ما تحمله من احتلال مهين ووصاية أجنبية وتدخل سافر في شؤون العراق الداخلية ومصادرة للإرادة الوطنية، اصطفوا بشكل منظم ومثير ضد وحدات (درع الجزيرة) التي استدعتها الحكومة البحرينية لمواجهة الأخطار الطائفية والتحديات الخارجية التي تتهدد سيادة البحرين ووحدة شعبها وسلامة أراضيها، مع أن هذه القوات هي جزء من اتفاقيات وقعتها دول مجلس التعاون الخليجي منذ سنوات طويلة وهي معلنة ومعترف بها إقليميا ودوليا وليست فيها بنود أو ملاحق سرية كما في الاتفاقية الثنائية العراقية الأمريكية. ومن تابع خطب وتصريحات نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وباقر صولاغي وأحمد الجلبي وغيرهم من أقطاب الأحزاب الشيعية الطائفية وهم يشنون حملاتهم على البحرين والمملكة العربية السعودية وبلدان الخليج العربي، لا بد وأدرك أن هناك جهة واحدة أملت عليهم ما يقولون وحددت لهم ما يصرحون، ولا يحتاج المراقب إلى عناء عندما يكتشف أن انتقاداتهم لدرع الجزيرة وهجومهم على دول مجلس التعاون الخليجي، تتطابق تماما مع البيانات الرسمية الإيرانية وتتكامل في مضامينها واتجاهاتها مع ادعاءات طهران ومزاعمها الظالمة وما أكثرها بهذا الخصوص. ماذا يعني هذا..؟ إنه يعني ببساطة شديدة أن القيادات الشيعية في العراق والخليج العربي، مرتبطة في حراكها وتوجهاتها مع إيران ومربوطة بسياساتها وأجندتها، ويعني أيضا أن (التخادم) السياسي بين الجانبين وصل إلى درجة متقدمة من التعاون والتنسيق، يتضح ذلك في العراق ميدانيا وعلى الأرض في ظل الاحتلال الأمريكي، لذلك فإن الخوف من هذا (التخادم) يتصاعد في بعض دول الخليج، خصوصا عندما نلاحظ أطرافا وأوساطا ما زالت تعتبر وحدات درع الجزيرة في البحرين قوات أجنبية ولا تعترف بعروبتها وخليجيتها، وأن اتفاقيات الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون معاهدات جائرة، وأخطر من هذا كله أن بعض هذه الأطراف والأوساط متنفذة وفاعلة في البلدان التي تقيم فيها، وتمتلك حظوة وربما صلات وعلاقات مع أصحاب القرار فيها..!. إن المسؤولية الوطنية والقومية والشرعية الملقاة على عاتق دول الخليج العربي، تستدعي مزيدا من العمل والتعاون وحشد الطاقات وتعبئة الجهود لمواجهة أخطار التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية بكل صوره وأشكاله ومنها تلك التظاهرات والحركات التي تتستر تحت غطاء المطالبة بالإصلاح السياسي بينما أثبتت الأحداث أنها تخفي أجندة كارثية تقود إلى التغيير الفوضوي والتخريب والمحاصصات الطائفية والفئوية. كاتب وسياسي عراقي - خاص (الجزيرة)