إن ترديد الإعلامي محمد الهاشمي «الرؤساء بيتفرجوا فينا» ملأني أملاً في أن الحكام سيتركون مشاغلهم «وبيقروا فينا»، وشعار المقالة «إذا الحاكم يومًا أراد البقاء فلا بد أن يستميت القلم». ولأن انتشار الثورات في الدول العربية أسرع من شخطة القلم والنطق بحرفٍ من كلمة سأبدأ مباشرة بذكر قواعد إحباط ثورة قائمة، وفي الأخير أذكر نصائح تعين على تداركها قبل قيامها: - قاعدة «جاء يكحلها؛ أعماها»: حذارِ حذارِ من إلقاء خطاب في أثناء الاعتصامات والاحتجاجات، دائمًا الخطاب في هذه الأوضاع يكون مستفزًا للمتظاهرين، وما خطاب زين العابدين الذي قصم ظهره عن الحكم بما يحتويه من استفزازات ببعيد عن الذاكرة، وهلوسات سيف الإسلام القذافي في أول خطاب له مع أنه لا يحمل صفة سياسية تخوله مخاطبةَ الشعب، وفحوى تخريفاته لمن لا يذكر: لأنكم بهائم لا تتحلون بالأخلاق ستنشب حرب أهلية إذا ترك القائد السلطة، ولأنكم بهائم لا تفهمون السياسة ستقسَّم البلاد إذا رحل القائد، ولأنكم بهائم لا تحسنون التصرف سيضيع البترول إذا تنحى القائد، بالإضافة أنه هو الذي يسقيكم ويطعمكم ويكسوكم، من الأخير أنتم قطيع من الغنم ووالدي الراعي. ولا يظنن أحد أن الشعب الليبي تثيره كلمات (الجرذان، والكلاب، والمقمّلين) في خطاب معمر القذافي فهذه مفرداته الاعتيادية، واستخدمها في وصف الثوار، أي في وصف فئة من الشعب وليس في وصف الشعب بأكمله. - قاعدة «بيدي لا بيد عمرو»: تجنُّب صيغِ التهديد وعدم استخدامها، لأنها لا تترك للثوار فرصة التراجع، فالثائر حين يسمع مثل هذه التهديدات يقول عليَّ وعلى أعدائي. فأيهما أحسن التراجع عن المظاهرة فيُنكل به ويُعدم بأقسى الأدوات، أو يستمر في الثورة فتخرج روحُه بطلق رصاصٍ مرفرفةً بجناحي الثأر والاستمرار في ساحة الثورة والاعتصام. - قاعدة عكس «إذا سرقت اسرق جملا وإذا عشقت اعشق قمرا» وهي إذا كذبت لا تكذب كذب مسيلمة الكذاب: إعطاء تعليمات للإعلام الحكومي بألاّ يصف المتظاهرين بصفات متناقضة، لأن هذا يكشف كذب الحكومة؛ الإعلام المصري يصف المعتصمين بأنهم من أتباع حزب الله وإيران ثم يصفهم بأنهم موالون لأمريكا وإسرائيل، وشاهد عيان وعبر القناة الحكومية رأى ابن لادن في ميدان التحرير، فمتى اتفق المتضادان إلا إذا كان الوصف كاذبًا. وأكثر من ذلك تجده عند (هالة المصراتي) مقدمة برنامج (ليبيا هذا اليوم) في القناة الليبية، ومن نماذج كلامها في حلقة واحدة فقط، وقد جمعت فيها جميع المتضادات: «هؤلاء الثوار تبيعة تنظيم القاعدة سيقيمون دولة دينية، هؤلاء الثوار يفطرون في رمضان وسيقيمون دولة علمانية، هؤلاء الثوار تبيعة أمريكا والغرب، هؤلاء الثوار -كلمة «هؤلاء» ليست من عندي بل هي لزمة للأخت القائدة العقيدة هالة المصراتي- أتباع ابن لادن حوَّلوا المساجد إلى حانات يعربدون فيها ويسكرون، هؤلاء الثوار مرتزقة من قطر ومصر ودول الخليج، هؤلاء الثوار من أتباع القاعدة يوزعون حبوب الهلوسة بالشاحنات ويغتصبون النساء في الشوارع، هؤلاء أتباع ابن لادن رفعوا علم إسرائيل على بنغازي، يبدو أن طولَ إقامة ابن لادن في كهوف تورا بورا أصابه بانفصام الشخصية، وإلا لماذا هداه الله يرفع علم إسرائيل، ويحمد للمذيعة أنها لم تنسب الثوار إلى حركة أمل على خلفية اختطاف موسى الصدر. هناك كوكتيل مفضل للإعلام الحكومي هو (القاعدة، حزب الله، إيران، أمريكا، إسرائيل، حماس) مع أنه بالإمكان تقسيم هذا الكوكتيل إلى كوكتيل موجه إلى الغرب ويضم (القاعدة، وحزب الله وحماس وإيران)، وآخر موجه إلى العرب يضم (إسرائيل وأمريكا) وأنا أقترح ضم الدنمارك للأخير. -قاعدة: اضرب رأسك بالحائط: ترك المعتصمين وعدم التعرض لهم بالعنف، حتى لا يثار الرأيان العالمي والمحلي، اتركوهم لضربة الشمس في الصيف، ولصفقة الهواء في الشتاء؛ اتركوهم حتى يملوا، وطُبِع الإنسان على الملل، والمشاكسة تذهب الملل وتجدد الحيوية. احتياطات قبل الثورة: إبعاد الزوجة والأولاد والأقارب عن الواجهة السياسية والاجتماعية، ففي ظهورهم في مقدمة الصورة يثير الشعب الذي يعقد المقارنات بين أوضاعهم وأوضاع هذه الأقلية العائلية. ولكم في ليلى الطرابلسي وأقاربها خير دليل. تقليص عدد ملفات أمن الدولة، لإمكان السيطرة والمراقبة؛ فمن أسباب عدم سيطرة الأمن في مصر على الثورة أنه لم يكتف بملفات الحركات السياسية مثل كفاية وشايفنكم و6 إبريل والإخوان، وأحزاب المعارضة، بل تكدس بملفات 85000.000 مواطن وبالتالي عجز عن مراقبة حركة هذا العدد. إعادة تخطيط المدن فتلغى جميع الساحات والميادين وتجعل طرقًا للسيارات. شطب يوم الجمعة من التقويم، وإعلان أيام الأسبوع ستة أيام. والفاتحة على روح ميكافيللي.