لقد جاء الإسلام بأحكام وتعاليم، تحمي حقوق الإنسان، وتضمن كرامته، ضمن منظومة من الحقوق والواجبات بين الراعي والرعية، وقد استلهم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - هذه المبادئ، فعمل على صيانة حقوق الإنسانية ومحاربة كل ما يعترض ذلك. فكان - رحمه الله - من أشد الناس محاربة للفساد، بشتى أشكاله، وتعدُّد صوره، لإدراكه العميق، وفهمه الدقيق، أن الفساد مخالف لسنّة الله في هذه الدنيا قال تعالى: ?وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ? (البقرة 205)، وقوله تعالى: ?فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ? (هود 116). ولإدراك الملك عبد العزيز أن الفساد هو المهدد الأول لحقوق الإنسان، لأن في انتشاره ضياعاً لحقوق العباد، وخراب البلاد، وتعطيلاً لمصالح الناس، فيزداد القوي قوة والضعيف ضعفاً، وتهدر الحقوق وتضيع الواجبات. فمن أقواله - رحمه الله - في هذه الصدد: «إذا الجميع اتفقوا على درء المفاسد سهل العمل». فالملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - لا يفرق في هذا القول بين دور الحاكم والمحكوم، وبين الأمير والمواطن، والغني والفقير، والكبير والصغير، في محاربة الفساد، فالكل له دور وعليه مسؤولية أمام الله. ولعلم الملك عبد العزيز - رحمه الله - أن الحصول على المال بغير وجه حق هو الطريق السريع للفساد، وذلك لما فطر الله النفوس عليه من حب المال، ومحاولة الحصول عليه بشتى الطرق، لأن محبة كسب المال فطرة في الإنسان قال تعالى: ?وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً? (الفجر:20) ... ... فقد كان - رحمه الله - حريصاً على المحافظة على موارد الدولة المالية، ومتابعاً دقيقاً وحازماً في التدقيق والمتابعة، ويتأكد بنفسه بأن لا تصرف إلا في وجوهها المحددة، ويمنع أياً كان من الاعتداء أو التصرف في هذه الأموال إلا حسب ما هو مقرر. ففي رسالة مؤرخّة في 25-6-1349ه موجّهة إلى أحد المسئولين عن المالية. يقول - طيب الله ثراه -: «من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب المكرم الأفخم... سلمه الله، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ثم نبلغكم وننذركم من قبل الحوايل (أي: الحوالات المالية) التي ترد عليكم من عيالنا أو من غيرهم، احذروا تسدون (أي: تسددون) منها شيء قطعياً لا كثير ولا قليل وإذا تجريتو (أي: تجرأتم) على شيء من ذلك خلافاً لما أمرناكم به فلا نقبله ولا نجيزه، ويكون ذلك من مالكم الخاص، بل إنكم تتعرضون لعدم رضانا.. احرصوا على اعتماد وتنفيذ ما ذكرناه لكم ولما ذكر حرر». هذا هو الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، ملكاً عادلاً وحازماً، ومحافظاً على مكتسبات الدولة، وناشراً العدل والمساواة بين الرعية، ومحافظاً على كرامة شعبه ومواطنيه، ومانعاً ليد الفساد أن تمتد إلى مقدرات الدولة ومؤسساتها، لهذا أصبح الناس يعيشون في هذه البلاد في طمأنينة وعدل ومساواة. وما نعيشه الآن من إصلاحات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وما سنشهده في قادم الأيام بإذن الله ما هو إلا تجسيد لهذا النهج، مما كان له الأثر الأكبر بعد توفيق الله وعونه في استتباب الأمن والاستقرار في ربوع المملكة على مر الأيام. (*) رئيس الدراسات المدنية كلية الملك خالد العسكرية