كثيرا ما يحب لارى سومرز نائب وزير الخزانة الأمريكي أن يروي هذه القصة، انه في عام 1988م، كان يعمل في حملة الدعاية لانتخابات الرئاسة لمايكل دوكاكيس وأوفد في أحد الأيام الى شيكاغو لالقاء كلمة نيابة عن دوكاكيس, وكان العاملون في حملة دوكاكيس قد وفروا له أثناء وجوده في شيكاغو سيارة مزودة بتليفون خلوي. يتذكر سومرز قائلا: اعتقدت أن وجود تليفون خلوي في سيارتي حينئذ، في عام 1988م، شيء جميل الى درجة انني اتصلت بزوجتي حتى أبلغها أنني أتصل من تليفون السيارة. بعدها بتسع سنوات، في عام 1997م، كان سومرز يزور ايفورى كوست ساحال العاج كوت دي فوار بغرب أفريقيا، في مهمة خاصة بوزارة الخزانة, وكان جدول أعمال زيارته الرسمية يتضمن افتتاح مشروع صحي أقيم بتمويل أمريكي في قرية تقع أعلى النهر بعيدا عن العاصمة أبيدجان, وكانت هذه القرية التي تفتتح فيها أول بئر للمياه الصالحة للشرب لا يمكن الوصول اليها الا بواسطة كانو أي زورق ضيق طويل له مجداف واحد محفور من جذع شجرة, وقد اعتبر سكان القرية سومرز، ذلك الأنيق القادم من أمريكا رئيسا أفريقيا شرفيا وخرجوا لاستقباله في ملابسهم الأفريقية بالزوارق, غير ان الشيء الذي مازال عالقا في ذاكرته انه في طريق عودته من القرية وأثناء ركوبه لزورق الكانو الذي سيعود به عبر النهر، سلمه أحد المسؤولين في كوت ديفوار هاتفا خلويا، وقال: واشنطن تريد أن تسألك عن شيء, تسع سنوات مرت ما بين اعجاب سومرز بوجود تليفون في سيارته في شيكاغو وتوقعه أن يوجد تليفون في الزورق الخشبي الذي يستقله في أبيدجان كشيء طبيعي. لم تكن مغامرات سومرز التليفونية لتحدث الا بفضل أول التغييرات وأهمما التي نمت أثناء الحرب الباردة (التغيير في طريقة اتصال كل منا بالآخر), انني أسمي هذا التغيير ديموقراطية التكنولوجيا أي أنها تيسر لمزيد ومزيد من الناس، وبمزيد ومزيد من أجهزة الكمبيوتر المنزلية، والمودم والتليفونات الخلوية ونظم الكابلات، وخطوط الاتصال عبر الانترنت، لكي تصل الى أبعد وأبعد، والى المزيد والمزيد من الدول، أسرع وأسرع، وأعمق وأعمق، أرخص وأرخص من أي وقت مضى, ويوجد في منطقة واشنطن العاصمة بنك فالي سبرينج الذي يقدم كل أنواع الخدمات المصرفية عن طريق الانترنت والتليفون لعملائه, ويلخص شعار البنك بدقة معنى ديموقراطية التكنولوجيا, فيقول: دعنا ننقل اليك بنكنا في منزلك, فبفضل ديموقراطية التكنولوجيا نستطيع جميعا الآن أن يكون لنا بنك في منازلنا، أو مكتب عمل في منازلنا، أو صحيفة في منازلنا، أو محل لبيع الكتب في منازلنا، أو شركة سمسرة في منازلنا، أو مصنع في منازلنا، أو شركة استثمار في منازلنا، أو مدرسة في منازلنا,,. كانت ديموقراطية التكنولوجيا نتيجة لعدة ابتكارات تجمعت معا في الثمانينيات تشتمل على استخدامات الكمبيوتر والاتصالات، ونمنمة الأجهزة، وتكنولوجيا الانضغاط والرقميات, فعلى سبيل المثال، أسفر التقدم في تكنولوجيا الشذرات الدقيقة للكمبيوتر عن مضاعفة قوة الحاسوب كل ثمانية عشرة شهرا تقريبا على مدى الثلاثين عاما الماضية، في حين يعنى التقدم في تكنولوجيا الانضغاط أن حجم البيانات التي يمكن تخزينها على بوصة مربعة من سطح القرص زادت بنسبة 60% كل عام منذ عام 1991م، وفي الوقت نفسه انخفضت تكلفة سعة القدرة على التخزين من خمسة دولارات للميجابايت الى خمسة سنتات، مما يزيد من قوة الكمبيوتر ويسهل من الوصول اليه في كل يوم, كما أدى التقدم في الاتصالات الى انخفاض مستمر في تكلفة المكالمة التليفونية ونقل البيانات، في حين تزداد باستمرار السرعة والمسافة وحجم المعلومات التي يمكن ارسالها عن طريق الخط التليفوني أو الكابل أو الاشارات اللاسلكية. ولا يقتصر الأمر على انك تستطيع الاتصال بأي مكان بثمن رخيص، وانما تستطيع أيضا أن تتصل من أي مكان بثمن رخيص، سواء كنت تعمل على الكمبيوتر الشخصي الخاص بك أو واقفا على قمة الجبل أو مستلقيا على مقعدك في الطائرة أو حتى فوق قمة افريست, لقد أصبح ذلك ممكنا بسبب الابتكارات في مجال نمنمة الأجهزة التي تخفض باستمرار من حجم ووزن أجهزة الكمبيوتر والتليفونات وتليفونات الاستدعاء البيدجر , وأصبح من الممكن الآن حمل هذه الأجهزة الى أماكن لا تخطر على بال، كما أصبح من اليسير على ذوي الدخول البسيطة اقتناؤها, تأمل اعلانا ظهر مؤخرا على صفحة كاملة في صحيفة يو, اس, ايه توداي لشركة نيكستيل Nextel للتليفونات الخلوية كشفت فيه النقاب عن انتاجها الجديد من تليفونات الجيب طراز موتورولا i1000 وكان عنوان الاعلان كالتالي، كبير بدرجة تكفى لتغيير شكل الصناعة, صغير بدرجة تكفى لوضعه داخل جيبك, ومضى الاعلان يقول في شرح المميزات التي يحتوي عليها التليفون الخلوي الجديد لشركة موتورولا الذي لا يتجاوز وزنه 5,4 أوقية 153 جرام تقريبا : تخزين الكلمات والأرقام، وانذار عن طريق الذبذبات، وبطارية طويلة العمر، وبريد صوتي، ومعرفة هوية الطالب، وارسال واستقبال لا سلكي رقمي، واتصال ثلاثي الأطراف، وميكروفون للمتحدث, أو ماذا عن الخبر الذي نشر في عدد يوليه عام 1998م من مجلة جولف الذي أشار الى ان الكثير من ملاعب الجولف بدأت في تركيب نظام الكمبيوتر Spyder - 9000 في عربات الجولف الموجودة بها، الذي يتيح لقائدي تلك العربات الاحتفاظ بالنتائج الكترونيا، وقياس المسافات رقميا، ومشاهدة مسبقة لحفرالجولف مسجلة على شرائط فيديو، ومشاهدة أفلام فيديو للجولف، واعطاء طلبات الغداء، والتعرف على أسعار الأسهم، ومشاهدة الاعلانات التليفزيونية, والشيء الوحيد الذي لا تؤديه لك هو ضرب كرة الجولف برفق نحو الحفرة. وقد كانت ثورة الرقميات سببا في التدعيم المستمر لهذه الابتكارات، ان الرقميات هي ذلك الساحر الذي يحيل لنا الأصوات أو أفلام السينما، أو الاشارات التليفزيونية، أو الموسيقى، أو الألوان، أو الصور، أو الكلمات، أو الوثائق، أو الأرقام، أو لغة الحاسوب أو أي شكل آخر من أشكال البيانات التي يمكن أن ترد على ذهنك الى وحدات متناهية الصغر من المعلومات يتعرف عليها الكمبيوتر، هي البت Bit ، ثم يرسلها بالخطوط التليفونية والأقمار الصناعية وكابلات بصريات الألياف المنتشرة حول العالم, وتعتبر وحدات البت الجزئيات الأساسية في أنظمة الكمبيوتر، وهي ليست سوى تركيبات متنوعة من الرقمين 1 و0, وتنطوي عملية الرقميات على تحويل أي صوت أو صورة أو أعداد أو حروف الى شفرة مختلفة مكونة من الرقمين 1 و0 ثم تقوم بعد ذلك بإرسالها عبر رسائل الاتصالات اللاسلكية إلى نقطة أخرى حيث يتم فك الشفرة المكونة من الرقمين 1و0 لجهاز الاستقبال ثم اعادة صياغتها في شكل أقرب ما يكون الى الوضع الأصلي, وقد كان لنيكولاس نيجروبونتي، مؤلف كتاب أن تكون رقميا Being Digital، طريقة جذابة في وصف الرقميات، يقول فيها: ان الأمر يبدو فجأة كما لو كنا نستطيع صنع كابوتشينو مجفف ومجمد بحيث يعود الينا بمجرد اضافة الماء شرابا غنيا وفواح الرائحة تماما كما يأتي الينا طازجا في أي مقهى ايطالي, وكما يشير نيجروبونتي فاننا نستطيع الآن تجفيف وتجميد الكثير من الأشياء بتحوليها من ذرات الى وحدات البت، من صور وأصوات الى الرقمين 1 و 0، وارسالها بعد ذلك الى مزيد من الأماكن وبأسعار أرخص من أي وقت مضى. تأمل هذه العملية على النحو التالي: الشذرة الدقيقة والكمبيوتر أشبه بالفرن الذي يستطيع أن يحول أي شيء مصنوع من ذرات الى وحدات البت, والأقمار الصناعية، وخطوط التليفون، وكابل بصريات الألياف أشبه بالأنابيب التي تخرج من هذا الفرن الى أنحاء العالم, وكلما زاد تطور هذه الأنابيب - اذ انها تتزايد في سعة الحزمة التي تعتبر أداة القياس لعدد الرقمين 1 و 0 التي تستطيع أنبوبتك الرقمية ارساله في الثانية - استطعنا استخدامها في نقل المزيد والمزيد من الذرات التي حولها الفرن الذي لدينا الى وحدات البت. ان عملية التحول الرقمي تلك أساسية الى حد بعيد في فهم هذه الحقبة من العولمة وتجعلها شيئا فريدا يستحق التوقف برهة هنا لتقديم مثال من الحياة الواقعية لكيفية عملها, تأمل مكالمة تليفونية بسيطة, انك تلتقط سماعة تليفونك في نيويورك وتطلب رقم تليفون صديق لك في بانكوك, وعندما تتحدث أنت في ميكروفون السماعة فان ضغط الهواء الصادر من فمك يصطدم بغشاء متذبذب موجود في سماعة التليفون، حينئذ يتحرك هذا الغشاء جيئة وذهابا مع الصوت الصادر من فمك, هذا الغشاء متصل بمغناطيس ملاصق لملف سلك كهربائي, وعندما يحرك الغشاء هذا المغناطيس، ينشأ عن المجال المغناطيسي تيار كهربائي في السلك, ويتذبذب هذا المجال المغناطيسي مع تذبذب الصوت الصادر منك ومن ثم يتذبذب التيار الكهربائي في السلك مثلما يتذبذب صوتك, وهكذا تحول لدينا الآن الصوت الصادر من فمك الى اشارات كهربائية متذبذبة ترتفع وتنخفض مثل الموجة بحسب التغيرات في صوتك, وتستطيع رؤية هذه العملية في مرسمة تتبع ذبذبات الصوت Oscilloscope . كيف يتسنى لنا تحويل ذلك الى وحدات البت التي يمكن ارسالها؟ ما عليك الا ان تتخيل ان هذه الموجات الصوتية تنخفض وترتفع فوق صفيحة معدنية مثقبة, وتقوم أنت بتقطيع كل موجة الى شرائح دقيقة منفصلة وتقيس ارتفاع كل شريحة ثم تعطيها رقما مكونا من رقم 1 ورقم 0, وهكذا فان الارتفاع 10 قد يعبر عنه بالرقم 11110000 والارتفاع 11 يعبر عنه بالرقم 11111000 وهكذا, وكل من 1 و0 يترجم الى نبضة كهربائية تعرف بعد تثبيتها معا بالموجة المربعة هذه الموجة المربعة، على عكس موجة الصوت التماثلية التي ترتفع وتنخفض مثل أمواج البحر، تكون أكثر عرضة للتشويشات والتغييرات الطفيفة أثناء عملية الارسال، اذ ترتفع الموجة المربعة ببساطة عند الأرقام 1 وتنخفض عند الأرقام 0, ويكون من السهل كثيرا على الجهاز الذي يستقبل مثل هذه الاشارة قراءتها بوضوح تام, فكل ما عليه هو ان يسأل أهي فوق أم تحت على عكس محاولة قراءة الموجة, وهذا هوالسبب في أن تكون النسخ الرقمية دائما أكثر وضوحا والسبب في أن أي شيء يرسل كخيط من أرقام 1 و0 من فمك أو جهاز الفاكس أو الكمبيوتر في نيويورك سوف يخرج من الطرف الآخر أتوماتيكيا بالأرقام 1 و 0 نفسها. ولكن دعنا نفترض انك ممن يتحدثون لفترات طويلة, وانك تجري محادثة عميقة في بانكوك ولذلك فان هناك الكثير من النبضات الالكترونية للأرقام بالأرقام 1 و0 التي يجب ارسالها, ولكن بفضل معجزة التكنولوجيا يمكن ضغط هذه الأرقام 1 و 0 (الأساس ان جهاز الكمبيوتر لديك، يقول 1x8 و8x5، بدلا من 11111111 و00000000) والآن اصبح صوتي مضغوطا الى مجموعة صغيرة لطيفة من وحدات البت وحان الآن وقت نقلها, بوسعنا أن نقوم بذلك بطرق متعددة, أبسطها عن طريق اصدار تيار متذبذب، بحيث يصبح في كلمات بسيطة، فولت واحد للأرقام 1 وفولتين للارقام 0, أو يمكننا نقلها على كابل بصريات الألياف الذي يعمل باصدار نبضات من الضوء, أي انك تومض الضوء للأرقام 1 وتوقفه للأرقام 0, (القرص المدمج سي دي C D ليس الا اسطوانة مسطحة من البلاستيك مغلفة بطبقة من الألومنيوم, وهي تحفر ثقوبا صغيرة في الاسطوانة عند الأرقام 1 وتتركها بلا ثقوب عند الأرقام 0, وكل ما يفعله المتحكم في القرص المدمج هو أن يجعل شعاع ليزر يتألق على كل مسار في الأسطوانة، ويقرأ الأرقام 1 و0 ثم يحولها مرة أخرى إلى تلك الأصوات الجميلة التي بدأ بها), أو أن نستخدم الموجات اللاسلكية، بحيث يكون الصوت العالي للأرقام 1 والمنخفض للأرقام 9, وأيا كانت الطريقة التي نختارها، فمن المؤكد أن تخرج نسخة طبق الأصل في كل مرة, وفي حالة المكالمة التليفونية التي أجريها مع بانكوك فقد يتحول صوتي إلى نبضات ضوء بصريات الألياف، ثم عندما تصل هذه النبضات إلى بانكوك، وإلى المستقبل في سماعة تليفون صديقي، فإنها تتحول مرة أخرى إلى موجات صوتية عن طريق جهاز دقيق يترجم كل من الأرقام 1 و0 الى كمية معينة من الفولتات تضرب الملف الكهربائي الموجود في التليفون, وعندما يضرب هذا الملف، فانه ينشأ مجال مغناطيسي يوجه المغناطيس جيئة وذهابا، ويحرك بالتالي الغشاء الموجود بسماعة التليفون، فيدفع الهواء، بحيث يعود مرة أخرى ذلك الصوت الذي أخرجته من فمي, بريستو! أي قهوة نيجروبونتي الكابوتشينو الرائعة في كل مرة. وهكذا، فعندما أقول ان الابتكارات في مجالات الحاسوب ونمنمة الأجهزة والاتصالات والرقميات قد أدت الى ديموقراطية التكنولوجيا فانني أعني بذلك أنها مكنت مئات الملايين من البشر في أنحاء العالم من الاتصال ببعضهم البعض وتبادل المعلومات أو الأخبار أو المعرفة أو النقود أو صور العائلة أو التبادل النقدي أو الموسيقى أو العروض التليفونية بطرق وبدرجة لم تحدث قط من قبل, ففيما مضى، اذا كنت مقيما في نيويورك، ورزق ابنك الذي يعيش في استراليا بطفل جديد، فقد كان المعتاد أن يخرج من منزله ومعه الكاميرا ثم يشتري فيلم كوداك، ويلتقط صورا لابنه ثم يحمضها، ويضعها في مظروف ويرسلها اليك بالبريد, فاذا كنت محظوظا فسوف يكتب لك رؤية وجه حفيدك الجميل بعد مرور عشرة أيام, والآن لم يعد الأمر كذلك, فالآن يستطيع ابنك التقاط هذه الصورة لابنه بكاميرا رقمية، وتسجيلها رقميا على قرص مرن سعة 3,5 بوصة، وتحريرها رقميا على الكمبيوتر، ثم ارسالها رقميا اليك عبر الانترنت وكل ذلك قبل أن يبلغ الوليد عشر ساعات من العمر. يلخص لورانس جروسمان الرئيس السابق لشبكة (ان بي سي N B C )الاخبارية، بدقة ديموقراطية التكنولوجيا هذه على النحو التالي: الطباعة جعلت منا جميعا قراء, وآلات زيروكس للتصوير الفوري جعلت منا جميعا ناشرين, والتليفزيون جعل منا جميعا مشاهدين, والرقميات جعلت منا جميعا مذيعين. وتسلط ملاحظة جروسمان الضوء على عامل آخر يجعل هذه الحقبة من العولمة تختلف في درجتها ونوعها على السواء عن الحقبة السابقة, ببساطة، ان ديموقراطية التكنولوجيا هذه أدت الى عولمة الانتاج فاليوم، بوسعنا جميعا أن نكون منتجين, ولا تتعلق عولمة اليوم بمجرد قيام الدولة النامية بشحن المواد الأولية للدول المتقدمة، وتركها تنتج السلع النهائية، ثم تعيد شحنها اليها مرة أخرى, كلا, فاليوم، وبفضل ديمقراطية التكنولوجيا، أصبح لكل الدول فرصة لتجميع التكنولوجيا والمواد الأولية والتمويل لكي تصبح دولا منتجة أو متعاقدة من الباطن، لانتاج منتجات أو خدمات نهائية فائقة التعقيد، وهو ما يصبح عاملا دقيقا آخر يغزل العالم في نسيج أكثر تماسكا, وسوف أعود الى مناقشة ذلك بالتفصيل لاحقا, ويكفينا الآن أن نقول ان ديموقراطية التكنولوجيا تلك هي التي جعلت تايلاند تتحول على مدى خمسة عشر عاما من مجرد دولة منتجة للأرز أساسا الى ثاني أكبر دولة منتجة في العالم لسيارات نصف النقل وتنافس في ذلك ديترويت، ورابع أكبر دولة مصنعة للدراجات البخارية. ولا تنطبق ديموقراطية التكنولوجيا تلك على مجرد السيارات أو الدرجات البخارية, بل هي كما وصفها لي ذات مرة تيرا فوتراكال مدير أحد الصناديق المشتركة في بانكوك: اننا في هذا الصندوق المشترك لسنا مطالبين باعادة اختراع العجلة، اننا نستوردها فحسب, اننا نحصل على بعض التكنولوجيا التي نشتريها بعشر الثمن الذي اشترتها به شركتنا الأم بانكرز ترست, خذ مثلا، نظام الرد الصوتي الاتوماتي الذي يتصل به المستثمرون، بمجرد الضغط على العلامة #1 تتعرف على قيمة أصول الصندوق، وبالضغط على العلامة #2 تحصل على عروض بالشراء، وبالضغط على العلامة #3 تستطيع البيع, واذا كنت تريد الشراء أو استعادة أسهم الصندوق المشترك التي تمتلكها ، فانك تستطيع القيام بذلك الآن بالاتصال عن بعد بالبنك، وكل ما تراه هنا من أجراس وصفارات تأتينا بأسعار أرخص, كل ما علينا هو الانتظار لتطويرها في الخارج, وذلك هو الجمال الحقيقي للعولمة, فنحن مجرد بيت محلي ذي معرفة محلية، ولكن أصبح لدينا الآن تكنولوجيا عالمية نستطيع الحصول عليها. كنت أمزح مرة مع جيوف باير رئيس تصميمات الشبكات في شركة صن مايكروسيستيمز حول ما يمكن أن تقودنا اليه ديموقراطية التكنولوجيا ووسائل الانتاج تلك, بدأنا بمناقشة كل ما يدور خلف الكواليس في تلك الأيام، وهي أشياء لا يدري عنها الناس شيئا, فعلى سبيل المثال، أصبحت الهند المكتب الخلفي للعالم, فقد نقلت شركة سويس اير قسم الحسابات بأسره، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر، من سويسرا الى الهند للاستفادة من انخفاض تكلفة أجور العمالة بالنسبة للسكرتيريين والمبرمجين والمحاسبين, وبفضل الرقميات وشبكات العمل استطاعت سويس اير ان تحتفظ بحساباتها في بومبى بسهولة بقائها في بيرن, وفي 16 يناير 1999م نشرت صحيفة الايكونوميست ان شبكة خدمات شركة الخطوط الجوية البريطانية العالمية، ومقرها مومباى بالهند، تؤدي العديد من الوظائف المكتبية للشركة الأم، بما في ذلك التعامل مع الأخطاء التي تظهر في نظم الحجز الاتوماتي واقتفاء أثر الأميال التي يقطعها الطيار المعتاد, وأضافت الايكونوميست ان شركة سيليكترونيك التي تأسست منذ عامين ومقرها دلهي، تلتقط أوامر الأطباء من رقم تليفوني معفى من حساب عدد المكالمات في أمريكا وتنسخ التسجيلات ثم تعيد ارسال النتائج بمثابة نص الى المنظمة الأمريكية للحفاظ على الصحة, وكلما استطردنا أنا وبايرفي أفكارنا حول كل تلك الأمور، أصبحت أفكارنا شيطانية. سألني باير: الآن وبعد أن أصبح باستطاعتنا توفير كل هذه الخدمات التي كان يتعذر الوصول اليها من قبل عبر الشبكات، مثل الانترنت، فما الذي يمنع أيضا من توفير الخدمات لحكومتك من مصادر خارجية؟ فكر في الأمر انك تستطيع توفير وظائف عمليات الكوماندوز وحرس الحدود للروس من الخارج, تستطيع ان تعهد الى الهند بمهمة امساك حسابات بلادك وللسويسريين بادارة جهاز الرسوم الجمركية, وتستطيع ان تجعل الألمان يديرون لك البنك المركزي لديك, وتستطيع ان تجعل الايطاليين يصممون لك كل الأحذية في بلادك, وتستطيع أن تجعل البريطانيين يديرون لك مدارسك العليا, ويمكن لليابانيين أن يديروا لك مدارسك الأولية وقطاراتك. من كتابه: السيارة ليكساس وشجرة الزيتون ترجمة ليلى زيدان.