كان بعض العلماء الصالحين قد مرض قبل شهر رجب، فقال: إني دعوت الله أن يؤخر وفاتي إلى شهر رجب، فإنه بلغني أن لله فيه عتقاء؛ فبلّغه الله ذلك، ومات في شهر رجب, وقد أورد ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف، أن أهل الجاهلية كانوا يتحرّون الدعاء فيه على الظالم، وكان يستجاب لهم ولهم في ذلك أخبار مشهورة، قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب: مجاب الدعوة وغيره، وقد ذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إن الله كان يصنع بهم ذلك، ليحجز بعضهم عن بعض، وأن الله جعل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر,, (ص 122). ولا يخفى على ذي البصيرة: أن الله جلّت قدرته قال لدعوة المظلوم، وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين,, وقد روى زائدة بن أبي وقاد عن زياد عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان,, وما قيل عن خصوصيات لشهر رجب فإن العلماء لم يوثّقوها، بل نفوها، فقد روي عن أبي اسماعيل الأنصاري أنه قال: لم يصح في فضل رجب، غير حديث أنس السالف ذكره وفي قوله نظر، فإن هذا الإسناد فيه ضعف، وفيه دليل على استحباب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة، لإدراك الأعمال الصالحة، فيها فإن المؤمن لا يزيده عمره الا خيراً، وخير الناس، من طال عمره، وحسن عمله، وكان السلف يستحبّون أن يموتوا عقب عمل صالح من صوم أو رجوع من حج، وكان يقال من مات كذلك غفر له. ويرى بعض العلماء أن رجب مفتاح أشهر الخير والبركة، يقول في هذا أبوبكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السّقي للزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، ويقول ايضا: مثل شهر رجب مثل الريح، ومثل شهر شعبان مثل الغيم، ومثل شهر رمضان مثل القطر، ولما كبر سعيد بن المسيب قال له أبوجعفر المنصور أما آن لك أن تموت لتريح وتستريح فأجابه: تركت الدنيا لكم وأريد التزوّد من الخير. ولم يجد العلماء دليلاً قاطعاً في تعظيم شهر كامل غير رمضان، فشهر رجب لم يرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه كاملاً، ولا شهر شعبان، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا رمضان، قال الشافعي: وكذلك يوماً من بين الأيام، وإنما كرهته أن لا يتأسى رجل جاهل، فيظن أن ذلك واجب، وأن فعله حسن، وتزول كراهية إفراد رجب بالصوم، بأن يصوم معه شهرا تطوعاً عند بعض الأصحاب مثل أن يصوم الأشهر الحرم، أو يصوم رجب وشعبان. وفي شهر رجب يعظم بعض الناس ليلة الإسراء والمعراج قال ابن تيمية رحمه الله في اقتداء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم وحديث المعراج فيه ما فيه، ففيه ما هو صحيح كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين، ولم يصلّ بمكان غيره ولا زاره، كما أن في حديث المعراج ما هو في السنن أو في المسانيد وفيه ضعف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات، مثل ما يرويه بعضهم فيه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له جبريل: هذا قبر أبيك إبراهيم، انزل فصل فيه، وهذا (بيت لحم) مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه وأعجب من ذلك أنه قيل له في المدينة: انزل فصل ههنا قبل أن يبنى مسجده، وإنما كان المكان مقبرة للمشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إنما نزل هناك لمّا بركت ناقته هناك، فهذا ونحوه من الكذب باتّفاق أهل المعرفة (ص 438 439). وقد توسّع ابن كثير في الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وذكر أن اكثرها فيه ضعف,, وبيّن أن ذلك كان في رواية أم هانىء، بأنه عليه الصلاة والسلام كان ليلتها نائماً في بيتها، وذكر اختلاف العلماء هل كان الإسراء والمعراج بروحه أو بجسده كاملاً وهل كان يقظة أو مناماً، ورجح الأصح في ذلك (605 55). يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في حديثه عن حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج: تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماء، وفتحت له أبوابها، حتى جاوز السماء السابعة فكلمه ربّه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولاً خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمساً في الفرض، وخمسين في الأجر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه. وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصّوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصّوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً، لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم للامة، إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا, فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون الى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلّغ الرسالة غاية البلاغ, وأدّى الأمانة,, فلو كان تعظيم هذه الليلة، والاحتفال بها من دين الاسلام الذي شرعه الله لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء. فقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتمّ عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله فقال عز وجل: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم، وإن الظالمين لهم عذاب أليم , (الشورى 21). وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع، والتّصريح بأنها ضلالة, تنبيهاً للأمة على عظم خطرها، وتنفيراً لهم من اقترافها، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ , (مجموع فتاوى ومقالات لسماحته: 188 189). وفي شهر شعبان قيل في صيامه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله، يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، روي في معناه: أنه تنسخ فيه الآجال فقد روى عن عائشة رضي الله عنها بإسناد فيه ضعف قالت: كان اكثر صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، فقلت: يا رسول الله أرى اكثر صيامك في شعبان, قال: إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، فأنا لا أحب أن ينسخ اسمي إلا وأنا صائم، وقد روي مرسلاً، وقيل إنه أصح,. وفي حديث آخر مرسل: تقطع الآجال من شعبان الى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له، ولقد خرج اسمه في الموتى، وروي في ذلك معنى آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وربّما أخّر ذلك حتى يقضيه بصوم شعبان. وأما ما روي عنها بقولها رضي الله عنها: ما علمته تعني النبي صلى الله عليه وسلم صام شهراً كاملاً إلا رمضان ولا أفطره كله حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله، فقد قال ابن رجب: ويجمع بينهما: بأنه قد يكون صومه في بعض الشهور لا يبلغ ثلاثة أيام، فيكمل ما فاته من ذلك في شعبان، أو أنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة ايام، مع الإثنين والخميس، فيؤخر الثلاثة خاصّة حتى يقضيها في شعبان، مع صومه الإثنين والخميس، وبكل حال فكان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة، وكان إذا فاته شيء من نوافله قضاه، كما كان يقضي ما فاته من سنن الصلاة، وما فاته من قيام الليل بالنهار، فكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوّع لم يصمه، قضاه في شعبان، حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان فكانت عائشة حينئذٍ تغتنم قضاءه لنوافله، فتقضي ما عليها من فرض رمضان، حينئذ لفطرها فيه بالحيض، وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد الإّ بإذنه، فمن دخل عليه شعبان، وقد بقي عليه من نوافل صيامه في العام الماضي استحب له قضاؤه حتى يكمل نوافل صيامه بين الرمضانين, ومن كان عليه شيء من قضاء رمضان، وجب عليه قضاؤه مع القدرة، ولا يجوز له تأخيره، إلى ما بعد رمضان آخر لغير ضرورة، وإن فعل ذلك وكان تأخيره لعذر مستمر بين الرمضانين، كان عليه قضاؤه بعد رمضان الثاني، ولا شيء عليه مع القضاء، وإن كان ذلك لغير عذر، فقيل حتى يقضي ويطعم مع القضاء لكل يوم مسكينا, وهو قول مالك والشافعي وأحمد, (ص 132 133). وقد كان العلماء ينهون عن تقديم رمضان بصوم يوم أو يومين وعن صوم يوم الشك مستشهدين بحديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين كما ورد حديث خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان. أما صيام يوم النصف من شعبان فغير منهّي عنه، فإنه من جملة أيام البيض، وإنما توقف بعض العلماء في إفراد يوم النصف من شعبان بالصوم، وتخصيص ليله بالقيام بصلاة يسمونها صلاة التسابيح، وقيل إن بعض التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول ولقمان بن عامر، وغيرهم يعظّمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثاراً اسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، فهم طائفة من عباد أهل البصرة، وغيرهم وأنكر ذلك اكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن ابي مليكة، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن اسلم، عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة. قال ابن رجب: واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين: احدهما أنه يستحب احياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم اسحاق بن راهويه، على ذلك وقال: في قيامها في المساجد ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصّة نفسه، وهذا قول الأوزاعيّ إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى (ص 136). وقد حرص الشيخ ابن باز رحمه الله على تفصيل الأمر في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان فألف كتاباً صغيرا سماه التحذير من البدع، ضمنه أربع رسائل، فكانت الرسالة الثانية: عن ليلة الإسراء والمعراج والرسالة الثالثة عن ليلة النصف من شعبان، وقد ضمّت هذه الرسائل الثلاث الى مجموع فتاوى سماحته، وكان مما قاله في الرسالة الثالثة: ومن البدع التي أحدثها بعض الناس، بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة، ولا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم. إلى أن قال: وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله، من استحباب قيامها للافراد، واختيار الحافظ بن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف,, لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه، في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد وغيره من الأدلة الدالّة على إنكار البدع والتحذير منها. وقال الإمام الطرطوشي: وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها, وقيل لابن أبي مليكة: إن زياداً وكان قاصّاً يقول: إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته. وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة ما نصّه: حديث: يا علي من صلىّ مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، عشر مرات قضى الله له كل حاجة إلخ,, هو موضوع وفي ألفاظه المصرّحة بما يناله فاعلها من الثواب، ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه ورجاله مجهولون. وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة، ورواتها مجاهيل، وقال في المختصر: حديث صلاة نصف شعبان باطل، ولابن حبّان من حديث علي: إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها ضعيف, وقال في اللآلىء: مائة ركعة في نصف شعبان، بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله,, للديلمي وغيره، موضوع وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء، قال: واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع، وأربع عشرة ركعة موضوع. وقال الحافظ العراقي: حديث صلاة ليلة النصف من شعبان موضوع، على رسول الله، وكذب عليه وقال الإمام النووي في كتاب المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغترّ بذكرهما في كتاب: قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل ولا يغترّ ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنفت ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام ابو محمد عبدالرحمن المقدسي كتاباً نفيساً في ابطالها فأحسن فيه وأجاد, وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة لطال بنا الكلام (المجموع 1: 195). وهذا كله دليل على حرص علماء المسلمين على تنقية الدين من البدع والمنكرات، وأن يعبد المسلم ربه ببساطة هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه، فإنه يسر لا تشديد فيه ولا مشقة، ولن يشاد الدين أحد الاّ غلبه. فائدة حسنة: تحدث ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن الإسراء والمعراج وأطال على الآية الأولى من سورة الإسراء, وفي نهايتها أورد هذه الفائدة: قال: روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه: دلائل النبوّة من طريق محمد بن عمر الواقدي، قال حدثني مالك بن ابي الرجال عن عمرو بن عبدالله عن محمد بن كعب القرظي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية ابن خليفة الى قيصر فذكر وروده عليه، وقدومه إليه، وفي السياق دلائل عظيمة على وفرة عقل هرقل ثم استدعى من بالشام من التجّار فجيء بأبي سفيان، صخر بن حرب وأصحابه، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم في الإسراء، وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقرّ أمره ويصغّره عنده. قال في هذا السياق عن أبي سفيان والله ما يمنعني أن أقول عليه قولاً أسقطه من عينه يريد القول على النبي صلى عليه وسلم ليسقطه من عين قيصر الاّأكره أن اكذب عنده كذبة يأخذها عليّ، ولا يصدقني بشيء، قال: حتى ذكرت قوله ليلة أسري به, قال: فقلت لقيصر: أيها الملك ألا أخبرك خبراً تعرف أنه قد كذب؟, قال: وما هو؟, قال: قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبِطرِيقُ إيليا الأعظم عند رأس قيصر, فقال هذا البطريقُ وهو كبيرهم في إيلياء: قد علمت تلك الليلة, فنظر إليه قيصر، وقال: وما علمك بهذا؟, قال: إني كنت قد تعوّدت ألاّ أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته فغلبني فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول به جبلاً فدعوت إليه جماعة النجاجرة، فنظروا إليه فقالوا: إن هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان ولا نستطيع ان نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى, قال: فرجعت وتركت البابين مفتحين، فلما اصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الذي في زاوية الباب, مثقوب، وإذا فيه أثر مربط دابّة، فقلت لأصحابي: ما حُبس هذا الباب الليلة، الاّ على نبيّ,, وقد صلى الليلة في مسجدنا وذكر تمام الحديث (صحيح البخاري 7، ومسلم 1773). وروى البزار في مسنده بالسند الى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي، فقمت الى شجرة فيها كوكري الطير، فقعد جبريل في أحدهما، وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين، وأنا اقلب طرفي، ولو شئت أن ألمس السماء لمستها، فالتفت إلي جبريل فعرفت فضل علمه، بالله عليّ وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم، واذا دون الحجاب رفرف الدرّ والياقوت وأوحي إليّ ما شاء الله أن يوحي (البداية والنهاية 5 : 12 ص 53 54).